• الجمعة , 26 أبريل 2024

حزب العمال يرد الجميل للنظام وروسيا بإفشال مساعي توحيد المعارضة

عقيل حسين /اورينت

لم يكن القصف الأخير الذي استهدف مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، مساء الخميس الماضي عادياً، وذلك بالنظر إلى عامل التوقيت أولاً، والموقع الذي أطلقت منه الصواريخ ثانياً.

ثلاثة شهداء وأكثر من خمسة عشر جريحاً من المدنيين ارتقوا نتيجة القصف بثمانية صواريخ /غراد/ استهدفت المدينة التي تعدّ مركزاً لأحد أكثر الملفات تعقيداً في القضية السورية، حيث يعدّها حزب العمال الكردستاني PKK رمزاً كردياً كبيراً، ما جعل الميليشيات التابعة له تنظر للنازحين إلى عفرين أنهم “مستوطنون” على الرغم من أنهم سوريون، وتستهدف المدينة بشكل مستمر منذ تمكّن الجيش التركي والجيش الوطني من طرد قوات سوريا الديمقراطية منها عام 2018.

وعليه كان متوقعاً توجه الكثيرين إلى تحميل هذه الميليشيات المسؤولية عن القصف الأخير، خاصة وأنه يأتي بالتزامن مع ثلاثة تطورات تعزز من هذا التوجه، وهي:

أولاً: عودة الضغط الأمريكي من أجل استئناف الحوار الكردي-الكردي الذي يهدف إلى توحيد الرؤية السياسية للقوى الكردية السورية وحل المشاكل العالقة بينها.

ثانياً: طرح الولايات المتحدة مشروع حماية وتنمية المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كرد على إصرار أسد وحلفائه على تعطيل العملية السياسية.

ثالثاً: صدور ردود فعل عديدة من قبل حزب العمال الكردستاني تصب جميعها في إطار إفشال هذه المساعي، مثل تصعيد الهجوم الإعلامي على أحزاب المجلس الوطني الكردي، إلى جانب تصريحات لقادة في الحزب تؤكد على عمق العلاقة مع النظام وتفضيل إعادته إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية على أي مشروع آخر.لذا فقد وضع الكثيرون هذا القصف في إطار مساعي الحزب الكردي التركي، المصنف على قوائم الإرهاب، الهادفة لإفشال مخططات الحوار بين القوى الكردية-الكردية والكردية-العربية التي تتفق الآراء على أنه في حال نجاحها سيكون الحزب المتضرر الأكبر منها، خاصة وأن أحزاب المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني المعارض يشترطون فك الارتباط بين حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وحزب العمال، وخروج قادة PKK الحزب وكوادره من مناطق الإدارة الذاتية، وهو الشرط الذي تؤيده الولايات المتحدة وتعتبره مطلباً بديهياً.

ورغم ظهور مؤشرات قوية على عدم مسؤولية الميليشيات المرتبطة بحزب العمال عن قصف عفرين الأخير، وتأكيد العديد من الخبراء العسكريين على أن قوات النظام هي من نفذت هذا القصف، معتمدين على نوعية السلاح المستخدم والجهة التي جاء منها القصف وموقع سقوط الصواريخ، بالإضافة طبعاً إلى عدم صدور أي موقف تركي يحمّل ميليشيات حزب العمال المسؤولية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتبرئة قادة الحزب من السعي لاستمرار توتير الأجواء بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وتركيا والجيش الوطني من جهة أخرى.

انقسام أم وهم انقسام ؟

ولهذا السبب ينتقد الكثيرون تعليق الولايات المتحدة آمالها على أن يستجيب حزب العمال الكردستاني للمطالب الداعية إلى خروجه من الأراضي السورية، أو على قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على فك ارتباطه مع قادة قنديل أو التخلص من هيمنتهم، كما سبق وأن فعلت قيادة هيئة تحرير الشام بخصوص علاقتها مع تنظيم القاعدة.

بالمقابل، دأبت وسائل إعلام محلية ودولية على الحديث عن وجود انقسام داخل حزب الاتحاد حيال هذه العلاقة، والقول إن هناك فريقاً داخل الحزب يعمل على التخلص من هيمنة جماعة “قنديل” وفك الارتباط مع حزب العمال بشكل نهائي، وأن هذا الفريق الذي يقوده كل من مظلوم عبدي، القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، وإلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي، يخوض مواجهة عنيفة مع تيار آخر يرفض هذا التوجه.

لكن

السياسي السوري المعارض رديف مصطفى يعتقد أنه لا يوجد أي انقسام داخل الـPYD حول العلاقة مع حزب العمال، وأن ما يجري “مجرد مسرحيات إعلامية لذر الرماد في العيون، وخلق أوهام عن وجود صراع داخلي”.

ويرى أن “الفصل بين ب ي د وبين العمال الكردستاني هو بمثابة فصل الرأس عن الجسد، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به جماعة قنديل الذين بيدهم كل شيء فعلياً”.مصطفى، وهو قيادي في “رابطة المستقلين الكرد السوريين”، يقول في تعليقه لـ”أورينت” حول هذا الموضوع: كما كان يجري سابقاً الحديث عن وجود تيارين داخل حزب العمال الكردستاني، أحدهما يقوده جميل بايك والآخر مراد قره إيلان، فإن قادة الحزب يروّجون لوجود تيارين داخل حزب الاتحاد، فرع العمال الكردستاني في سوريا.

ويضيف: هذه الوصفة أعجبت على ما يبدو قيادة الحزب الذي يسيطر عملياً على كل شيء في مناطق الإدارة الذاتية، فضلاً عن أن غالبية العناصر التي تقود ما يسمى الإدارة الذاتية هم كوادر في العمال الكردستاني، مثل مظلوم عبدي ومحمود برخدان، وكذلك إلهام أحمد وآلدار خليل وسواهم، وهؤلاء كلهم منسجمون ويعملون كفريق واحد، أما الحديث عن هذا الصراع المفترض فهو مجرد حديث رغبوي يتبناه المجلس الوطني الكردي لأسباب تتعلق بالحرج الذي يسببه لهم موضوع الحوار الكردي مع حزب الاتحاد وكذلك بعض الأوهام القومية.

بدوره يرى بدر ملا مصطفى، وهو باحث كردي سوري، أنه لا يمكن الحديث عن انقسام داخل حزب الاتحاد، بل مجرد اختلاف في وجهات النظر حول بعض الملفات، ويعتقد أن مشاركة الحزب في المفاوضات الكردية-الكردية هو موقف براغماتي لا أكثر.ويضيف في تصريح لـ”أورينت”: معظم التصريحات التي تحمل اختلافاً في درجة حدتها يمكن اعتبارها إلى الآن رؤى مختلفة حول ترتيب الأولويات، وحتى الآن هناك علامة فارقة واحدة حدثت وتتعلق بالتصريحات التي صدرت عن بعض قادة قوات سوريا الديمقراطيةتجاه الخلافات الحاصلة بين حزب العمال الكردستاني وحكومة إقليم كردستان العراق، حيث ظهر موقف مغاير من ” مظلوم عبدي” الذي اعتبر قوات ” قسد ” قواتٍ سورية لا تتدخل في خلافاتٍ خارج حدود سوريا، وكان التصريح أشبه برد على تصريح القيادي الآخر محمود برخدان، الذي وجه رسالة لحكومة الإقليم مفادها بأن قواتهم لن تقف مكتوفة الأيدي في حال حصول مواجهة بين حكومة الإقليم وحزب العمال، ولم يتطور الموقف إلى الآن لما هو أبعد من هذا.

وعلى مدار العامين الماضيين، أي منذ انطلاق المفاوضات بين حزب الاتحاد والمجلس الوطني الكردي برعاية أمريكية، راجت معلومات عن تلويح قيادة حزب العمال بتعيين محمود برخدان بدلاً عن مظلوم عبدي في قيادة قوات “قسد”، كإجراء عقابي ضد محاولات الأخير التخلص من هيمنة “قنديل” بدعم ومساندة جزء كبير من الأكراد السوريين داخل حزب الاتحاد، وفي مقدمتهم إلهام أحمد.المعلومات التي رددتها وسائل إعلام كردية وغربية كررت باستمرار أن سبب ذلك هو قناعة التيار السوري في الحزب بضرورة العمل من أجل تحقيق أهداف سورية خالصة، وبالتالي التمرد على قيادة قنديل التي تصر على عرقلة أي حوار مع قوى المعارضة السورية الأخرى، سواء الكردية منها أو غير الكردية. إلا أن بدر ملا مصطفى يؤكد أنه “ومنذ العام 2012، لم ينخرط حزب الاتحاد الديمقراطي في كافة المفاوضات التي أجراها مع المجلس الوطني الكُردي من موقفٍ الراغب في إحداث مشاركة وتشارك حقيقي في السلطة والنفوذ”، بل كانت معظم العمليات الحوارية والتفاوضية بالنسبة له “أداةً لتخفيف الضغوط الإقليمية والدولية عليه، أو بوابة أمل للانخراط في العملية السياسية السورية في المحافل الدولية”.

من جانبه، فإن رديف مصطفى يبدو أكثر حسماً حيال موقف قيادة حزب العمال من هذا الحوار، ويتساءل: كيف لهذا الحوار أن ينجح بينما المجلس الوطني الكردي يتهم حزب الاتحاد بأنه صاحب ممارسات إرهابية وبأنه تابع للعمال الكردستاني وعميل للنظام، وحزب الاتحاد يتهم المجلس بأنه عميل لتركيا وجزء من “المعارضة الإرهابية”؟!.

ينتقد المعارضون السوريون تمسك الولايات المتحدة بما يصفونه “وهم” اقتلاع حزب العمال الكردستاني من سوريا، ويرون أنها لا تمارس ما يكفي من ضغوط لإجبار حزب الاتحاد على المضي قدماً في التخلص من هيمنة قادة قنديل وكوادرهم المنتدبين إلى مناطق الإدارة الذاتية في سوريا.

بينما يرى آخرون أن مجرد الحديث عن أي تغيير، أو حتى عن وجود تيارات متمايزة داخل الحزب حول الموقف من الارتباط بقيادة “العمال” ومشروعها في المنطقة هو “وهم”، أما المطلوب فهو التوقف عن النظر إلى الملف السوري أمريكياً انطلاقاً من شمال شرق سوريا دائماً.

مقالات ذات صلة

USA