• الخميس , 25 أبريل 2024

مقالة بعنوان لا تصالح كتبها القاضي جمعة الدبيس العنزي

كلمة كتبها (كليب) بدمه على جدار موقعة مقتله قرأها (سالم) فرسخت في عقله وتمكنت منه فكانت حرب البسوس التي استمرت أربعون سنة…

هكذا يقال في قصة مقتل كليب بن وائل التغلبي من قبل ابن عمه جسَاس بن مرة البكري بتحريض من خالته (البسوس بنت منقذ التميمية) وما تلا ذلك من قيام شقيقه (الزير سالم أبو ليلى المهلهل) بالثأر له في القصة الشهيرة في الأدب الشعبي العر بي…في سورية؛ حرب البسوس شارفت على نهايتها، والضحية ليس (كليباً) وإنما ملايين السوريين من الأبرياء بين قتيل ومعتقل ومغيّب قسرياً ومهجر ونازح وحرة مغتصبة!في سورية حرب مجرمة لا نظير لها في التاريخ يشنها نظام ظلامي مستبد، عنصري، همجي؛ ضد مواطنين أبرياء عزل… فقط لأنهم طالبوا بحق فطري لكل إنسان؛ بل لكل مخلوق ربما، يسمى (الحرية)في المقتلة السورية انشطر العالم إلى فُسْطاطين؛ أحدهما ضد الشعب، والآخر ليس معه!

أي وكما يقال في الأغنية العراقية (هم أنتَ… هم الناس… هم أهلي عليّا)الآن… وبعد (خراب البصرة) والموصل والرقة وحلب وحمص وإدلب، وووو…..الآن؛ يطالعنا السيد (غير بيدرسون) المبعوث الأممي الخاص إلى سورية والدبلوماسي المحترف، الذي لا ينطق عبثاً وإنما لكل كلمة يقولها معنى محدد يؤخذ به ويعتمد ويوثق ويؤرشف في أرشيف قضيتنا نحن السوريون المعذبون في الأرض… هناك في جنيف لدى سكرتارية (اللجنة الدستورية) ليشكل مخزوناً يؤخذ به في لحظة فارقة تنهي هذا الملف، ولكن بالطريقة التي يريدون لا بطريقة عادلة، أو شبه عادلة حتى.الآن؛ يظهر إلى العلن ما خفي في الأروقة الدبلوماسية (النتنة) ويدوي مصطلح (العدالة التصالحية) في قلوب وعقول السوريين الذين أمسوا وبعد عشر سنوات من المعاناة أسمى من أن يُكذب عليهم، فقد ارتقوا فهماً ووعياً سياسياً دفعوا ثمنه من دمائهم وأرواحهم.

هذا المصطلح ورد في سياق الإحاطة الشهرية الأخيرة التي قدمها السيد (بيدرسون) إلى مجلس الأمن بتاريخ 16/12/2020م كبالون اختبار لمدى تقبل هذا المصطلح من السوريين وهو لا يعلم أنهم يدركون تماماً فحوى العدالة التصالحية، وهم –كجزء من المجتمع العربي- أكثر من عمل بها في نزاعاتهم الفردية تكريساً لجذور أنماط سلوك وقواعدلفض النزاعات مستمدة من قانون عرفي قبلي مؤداه أنه حين يقع نزاع ما يعمد الطرفان المتنازعان إلى حله بطريقة (تصالحية) بحضور زعماء القبيلتين –أو القبائل- بحيث يتم تعويض الضحية (مادياً) والاعتذار لذوي الضحايا واستحضار قصص الصفح والتسامح والتذكير بفضل المسامح (الكريم) وعلو شأنه في الدار الآخرة، وإذا ما كان النزاع متعدد الأطراف لا يعرف فيه تحديداً من قتل هذا أو من جرح ذاك يلجئ هنا إلى دمج التعويض بكتلة واحدة تفرض على العموم من الطرفين وتجري فيها (مقاصة) يعوض فيها الطرف الأكثر ضرراً وتسمى هذه الطريقة (مدافن) أي أن كل طرف يدفن آلامه وجراحه وينساها لتستمر الحياة، ومن حيث النتيجة ينتهي الأمر بـ (تبويس شوارب) أو (حب دقون).

وهل يصلح ذلك في بلادنا!بالتأكيد لا؛ فالأفعال التي أتاها النظام واسعة النطاق، وممنهجة، تصنف بنظر القانون الدولي جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وفقاً للقانون الدولي، وقبل ذلك وفقاً لكل الشرائع السماوية، علاوة على أن النظام بارع في المناورة والقفز على الحبال وهو يملك مؤسسة قائمة شديدة الولاء تنعدم فيها الشفافية والمصداقية، بمواجهة معارضة متشظية تائهة تتناهبا الولاءات والمصالح والأهواء، وفي حال سلمنا –جدلاً- بهذا المعيار المنبثق عن مصطلح العدالة التصالحية، سيأتينا النظام بقوائم هائلة لأعداد القتلى من الموالين له، والجرحى والمعتقلين والمغيبين، وإحصائيات رقمية لمقدار الخسائر والأضرار التي تعرض لها أنصاره من قبل (الإرهابيين) الذين هم (نحن) الشعب السوري الذي قال له (لا) وحينها سيميل الميزان لصالحه ويتوجب علينا نحن التعويض والاعتذار وسنخرج بخسارة كبرى تلحق بخسارة دماء الشهداء فيصبح حالنا كمن خان وطنة بلا ثمن!ومصطلح العدالة التصالحية الذي ورد بوثائق الأمم المتحدة بالإنجليزيةRestorative Justice ليس وليد اللحظة فقد ورد بوثيقة للمجلس الاجتماعي والاقتصادي للأمم المتحدة برقم E/CN.15/2002/5 وتاريخ 07/01/2002م وقبل ذلك ورد هذا المصطلح في عدة وثائق أممية أهمها (إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين صدر عن مؤتمر الأم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في فينا من 10 إلي 17 أبريل 2000) وقبل ذلك نوقش هذا الموضوع في مؤتمرات إقليمية كذاك الذي انعقد في بلغاريا عام 2000 وقبله في أمريكا عام 1996.

ومن نافلة القول إن برامج العدالة التصالحية التي ناقشتها الأمم المتحدة في وثائقها وأدبياتها تتناول الجانب الجنائي فقط، والجانب الاجتماعي نوعاً ما في سياق متصل مع الجانب الجنائي، ولا تتطرق ابداً للشق السياسي من الموضوع.كذلك هي تتناول الجرائم التي يأتيها الأفراد وتأثيرها على المجتمع ولم تتطرق للجرائم الممنهجة التي تأتيها جماعات أو منظمات أو دول، ويرى المشاركون في نقاشاتها أنها تمثل خيارات بديلة في العدالة الجنائية عن الأساليب المستقرة في المحاكمة والعقاب وتحاول إشراك المجتمع المحلي والمجتمع كله في الإجراءات التصالحية، والفلسفة الكامنة وراءها تتمثل في معالجة الضرر الواقع وإعادة الجاني والضحية إلى وضعهما الأصلي قدر المستطاع.وهنا تتجلى خطورة الأمر بحيث نتبين أن هذا التعبير لن يمر مرور الكرام وسيبنى عليه منهج عمل لمسار اللجنة الدستورية والرؤية الأممية للحل السياسي في سورية ارتكازاً على رضا ممثلي اللجنة الدستورية –وتحديداً وفد المجتمع المدني- الذين سارع ستة منهم أعضاء في اللجنة الدستورية عن اللجنة المصغرة وهم (مازن غريبة – إيمان شحود – إيلاف ياسين – خالد الحلو -رغداء زيدان – صباح الحلاق) لإصدار بيان مفاده (أن ما ذكره بيدرسون من أن هذا المصطلح قد ورد بكلماتهم “غير صحيح ” وطالبوه ألا يستخدم مصطلحات لم يستخدموها وأن يكون اكثر دقة).هذا البيان جاء بعد حملة واسعة وغير مسبوقة اجتاحت مواقع الصحف الإلكترونية والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية ووسائط التواصل الاجتماعية من قبل نشطاء وتشكيلات سورية معارضة وثورية وقانونية دفعت كل ذوي الشأن من إعلان براءتهم من هذه التهمة، وهذ ما صدر عن بيدرسون نفسه وهادي البحرة الرئيس المشترك لوفدي المعارضة والمجتمع المدني في اللجنة الدستورية، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.في المحصلة؛ وإذا ما نظرنا للجانب المليء من الكأس والجانب الأبيض من الكرة نخرج بنتيجة مفادها الآتي:الحل الممكن والمتاح على ضوء المعطيات والأدوات القائمة في معركة الشعب السوري ضد جلاده، والذي يراه كل سوري مكلوم الحد الأدنى من العدالة؛ هو التطبيق الشامل والكامل لقرار مجلس الأمن رقم /2254/ لعام 2015م بمحاوره الأربعة وأولها إقامة حكماً ذا مصداقيةيشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، ضمن جدول زمني محدد، وعملية لصياغة دستور جديد، وانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملاً بالدستور الجديد، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، وقبل ذلك إطلاق سراح المعتقلين كمبدأ فوق تفاوضي ينبغي التمسك به والعض عليه بالنواجذ من قبلي ممثلي الثورة والمعارضة.

الخطوات العملية المطلوبة من ممثلي الثورة والمعارضة السورية والتي قد تحافظ على الخيط الرفيع الذي يربطهم بالشعب السوري هي الإعلان صراحة عن تجميد كل أشكال التفاوض مع النظام عبر كل المسارات (هيئة التفاوض واللجنة الدستورية وحتى مسارات سوتشي وأستانا ومناطق خفض التصعيد) ومطالبة الأمم المتحدة عبر ممثليها بالتأكيد على القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما تطبيق (العدالة الانتقالية) في سورية ونفي مصطلح (العدالة التصالحية) صراحة وبكل وضوح قبل العودة لمسار التفاوض الأممي، وهم بذلك لن يخسروا شيئاً أكثر مما خسروه أصلاً فضلاً عن محاولة إعادة شيء من الثقة المفقودة بينهم وبين الشعب الذي يدعون أنهم ممثلين له.

النقطة المضيئة في هذه الانتكاسة للمسألة السورية هي تأكيد ما هو مؤكد من أن الشعب السوري في النهاية هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد مصيره، وأن كل كلمة كتبت في هذا السياق كانت مؤثرة ومثمرة ودفعت كل ذي شأن لمحاولة تصحيح مساره، ومن ذلك نستخلص عبر يجب أن تستمر مفادها أن الشعب هو حارس ثورته مهما توالت المحن… وأن كل ضمير حي يصرخ في وجه من يهرول للجلاد… لا تصالح. جمعة الدبيس العنــــــــــــــــزيhttps://raqqapoliticalbody.org

مقالات ذات صلة

USA