• الجمعة , 19 أبريل 2024

ستيني يسعى لإسقاط بشار الأسد ومحاكمة ضباطه.. من هو؟

إيثار عبدالحق

ترجمة – زمان الوصل

زمان الوصل:19/12/2020*

ذهب إلى أبعد مدى في قضاياه، حتى لاحق جورج بوش*المزيد قادم.. و”رسلان” أصغر رتبة نستهدفهاعبر ما يقارب 3 عقود، أخذ الرجل ذو العيون الزرقاء والشعر البني المائل للون التراب.. أخذ على عاتقه ملاحقة عدد كبير من مرتكبي الفظائع حول العالم، واختار أن يكون صدى الضحايا أمام المحاكم، لأن مهمته الأكبر في الحياة هي الوصول إلى عالم تسوده العدالة، حسب ما يقول.إنه “وولفغانغ كاليك”، محامي حقوق الإنسان البالغ من العمر 60 عاما، الذي يبدو وعلى خلاف المألوف مبتسما رغم أنه شخص قضى حياته في ملاحقة أسوأ الفظائع في العالم، وفي سماع قصص تقشعر لها الأبدان، ولا يمكن أن تنسى.فتحت عنوان “الرجل الذي يريد أن يسقط بشار الأسد”، كتبت مجلة “الجمهورية الجديدة” الأمريكية العريقة تقريرا مطولا للغاية، تولت “زمان الوصل” ترجمته، ركز على “كاليك” الذي قضى أكثر من نصف حياته في ملاحقة المستبدين والمجرمين، ومحاولة إنصاف ضحاياهم، سواء أولئك الذين قتلتهم الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، أو سقطوا في براثن وكالة المخابرات التابعة لألمانيا الشرقية، أو قاسوا انتهاكات لا توصف على يد الولايات المتحدة.وقد جرب “كاليك” مختلف أنواع القضايا، وذهب بها إلى أبعد مدى، حتى قدم شكاوى جنائية ضد مسؤولين أميركيين كبار، في مقدمتهم الرئيس جورج دبليو بوش، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ومدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت، والمدير الحالي جينا هاسبل.. وهو الآن يتصدى لأحد أكبر الأشرار بينهم هؤلاء جميعا.. بشار الأسد.

ويصف التقرير “كاليك” بأنه محام ألماني في مجال حقوق الإنسان، يتمتع بتفان ومثابرة غير مألوفين، وهو السبب الرئيس الذي جعل هذه محاكمة ضابط المخابرات “أنور رسلان” ممكنة.ووفق مجلة “الجمهورية الجديدة” فإن “كاليك” عمل لسنوات طويلة على تجميع وترتيب الشهادات والوثائق التي أخرجت محاكمة “رسلان” إلى النور، وجعلتها واقعا تتابعه الصحف منذ شهور في محكمة “كوبلنز”.

وقبل أن تخرج هذا المحاكمة إلى النور، كان هناك عمل طويل ومضن في الظل، تولى “كاليك” دوره الأكبر من خلال خبرته، ومنصبه كمؤسس ورئيس للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان “ECCHR”.نشأ “كاليك” في الشطر الغربي من ألمانيا، ضمن بلدة صغيرة بالقرب من الحدود الهولندية، وبعد حصوله على شهادة في القانون من بون، انتقل إلى برلين الواقعة يومها تحت حكم الشيوعين الموالين لموسكو.. كان ذلك في أواخر الثمانينيات، كان وقتا مضطربا سياسيا حيث دخلت الحرب الباردة مخاضها الأخير، وسرعان ما تلمس ” كاليك” دربه وانضم إلى أولئك الذين طالبوا بإسقاط جدار برلين، كما التحق بركب الحانقين على الأنظمة القمعية (المدعومة أمريكيا) التي تتحكم في مصائر بلدان من أمريكا اللاتينية.. وقد ساقته قدماه لاحقا إلى المكسيك، وهناك عمل عن قرب مع مجموعة حقوقية تمثل ضحايا الدكتاتورية العسكرية في غواتيمالا.

أواخر عام 1990، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا قد بدأت في إعادة توحيد شطريها، عاد “كاليك” إلى برلين، وهناك افتتح مكتب محاماة بالشراكة مع محام شاب.. يومها كانت برلين بيئة خصبة لعمل المحامين المهتمين بحقوق الألمان الذي سحقتهم يد القمع في القسم الشرقي من البلاد، وقد عمل “كاليك” بدأب للوصول إلى الملفات التي كان جهاز المخابرات الشرقي يحتفظ بها.في نفس تلك الفترة تقريبا، بدأت تحركات مجموعة ألمانية بهدف الضغط من أجل مقاضاة الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، التي اختفى على يديها نحو 30 ألف شخص في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

كانت تلك المجموعة تهدف لطي صفحة الإفلات من العقاب، وتتولى تمثيل حوالي 100 ضحية لديكتاتورية الأرجنتين ممن يحملون جنسية ألمانيا أو لهم جذور ألمانية، وقد بدأت المجموعة بالفعل في تقديم شكاوى جنائية، ونظرا لتجربته في أمريكا اللاتينية، طلبت المجموعة من “كاليك” السفر إلى الأرجنتين لجمع المزيد من الأدلة والشهادات.وبفضل الأدلة التي أسهم “كاليك” بجمعها في الأرجنتين، فتح المدعون الألمان أكثر من 40 قضية ضحية ضد الديكتاتورية الأرجنتينية، ورغم أن هذه التحقيقات أُسقطت في نهاية المطاف داخل ألمانيا، إلا أنها ساعدت في الضغط على الحكومة الأرجنتينية لتقوم قبل عقدين بإعادة فتح القضايا أمام المحاكم المحلية، وبحلول 2008، كانت هناك مئات من القضايا التي تم الفصل فيها أو كانت قيد الفصل أمام القضاء الأرجنتيني.ولاحقا عندما تكشف جزء من انتهاكات وفظائع الاحتلال الأمريكي للعراق (لا سميا في أبو غريب)، كان لـ”كاليك” كلمته، فعمد إلى تقديم شكاوى ضد كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس السابق جورج بوش، ووزير دفاعه رامسفيلد، ورغم أن هذه الشكاوى لم تصل لشيء ملموس، يناسب حجم الانتهاكات، فقد أزعجت هؤلاء المتهمين ودعتهم لإعادة حساباتهم، ومن ذلك أن جورج بوش عدل عن زيارة جنيف، بسبب شكوى سبق أن قدمها “كاليك” أمام السلطات السويسرية، بتهمة التعذيب.كما عمل “كاليك” على الدعوة لاعتقال عراب السياسة الأمريكية ووزير خارجيتها الأشهر “هنري كيسنجر” لدعمه الانقلاب العسكري للجنرال “بينوشيه” في تشيلي، ودوره في حرب فيتنام، وجرائم حرب أخرى.وبناء على خبراته السابقة في مجال متابعة قضايا حقوق الإنسان، لم يكن مستهجنا أبدا أن يكون “كاليك” في طليعة المهتمين بملف سوريا وكل ما شابه من فظائع خلال السنوات الأخيرة تحديدا، وقد أثمر تعاونه الطويل مع المحاميين السوريين أنور البني ومازن درويش، وعكوفهم على جمع الأدلة.. أثمر عن تمكنهم (ربيع 2017) من تقديم أول شكوى جنائية ضد مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز المخابرات التابع لنظام الأسد (بمن فيهم اللواء جميل حسن)، معتمدين على شهادات أشخاص عاينوا أو تعرضوا للتعذيب في معتقلات النظام.. وسرعان ما تولى المدعي العام الاتحادي الألماني القضية.ثم جاء الدور على محاكمة ضابط المخابرات “أنور رسلان”، التي لعب فيها “كاليك” دورا محوريا، منطلقا من أنها الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل، إذ إن الرجل يرى أن حكم محكمة “كوبلنز” لن يصدر قريبا، كما إنه بعيد عن أي أوهام تقول إن بشار الأسد نفسه سيمثل أمام القضاء الألماني مكبل اليدين..

بل إن “كاليك” يؤمن بالعمل عبر النفس الطويل، وقطع الطريق خطوة خطوة، وزيادة الضغط تدريجيا، فالمسيرة البطيئة هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذه الأنواع من القضايا الحساسة، التي يمكن أن تتفكك إذا تم التعجيل بها، حسب نظرته.ولكن “كاليك” يؤكد أن “أنور رسلان” ربما يكون الرتبة الأدنى في النظام التي سيتعاطى معها، هو والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية، لأنهم يبحثون بالفعل عن صيد أثمن وأكثر قوة، وفي ذلك إشارة إلى مذكرة قبض صدرت صيف 2018، تطلب فيها محكمة العدل الفيدرالية الألمانية توقيف اللواء “جميل حسن”، المدير السابق للمخابرات الجوية.يركز ” كاليك” على عمله وعلى قضيته التي نذر نفسه لها، وهي الوصول إلى عالم يسوده العدل، مؤكدا أن اهتمامه منصب على ذلك، وهو لا يدعي مطلقا أن له اهتمامات أكبر كمساعدة الفقراء أو جلب الشفاء للعالم، مشددا على أنه لا يريد إزاء حقوق الإنسان أن يبدو محايدا أو عديم الاهتمام بالسياسة.لقد قاوم “كاليك” حضور محاكمة “رسلان” لأشهر، فقد تعلم خلال حياته المهنية الطويلة، أن قضايا بهذا الحجم أكبر بكثير من المحامي الذي يقف أمام القاضي، مؤكدا أن القضية الحالية ليست سوى جزء صغير من لوحة أكبر، وأن “المزيد قادم”.

مقالات ذات صلة

USA