• السبت , 27 أبريل 2024

جمانة سيف: رداً على رامي مخلوف, قصة قضية عقود الخليوي من والدي

رياض سيف : سأشارك الدراسة كاملة ( المؤلفة من 96 صفحة) التي أعدها ونشرها والدي في كتيب في دمشق بتاريخ 14/8/2001 حالما تم تحميلها على أحد المواقع………………………………………………………………كانت قضية عقود الخليوي بمثابة أخطر وأكبر قضية فساد في سورية في ذلك الوقت، حيث أنه وبعد خمسة أيام من توقيع العقود وبتاريخ 17/2/2001 وجه الزميل مأمون الحمصي أسئلة حول عقود الخلوي، وطلب حضور الحكومة للرد عليها. حضرت الحكومة في 26/3/2001 وقدم وزير المواصلات محمد رضوان مارتيني تقريراً يؤكد نزاهة العقود وقانونيتها وفوائدها الكبيرة للمصلحة العامة، وأعلن رئيس المجلس إقفال باب النقاش وطي الملف فقاطعته بصرخة مدوية أن هذا سوف يضيع على الشعب السوري مبلغ 200 مليار ليرة سوري وأنني أملك الوثائق التي تدعم ذلك ولا يمكننا أن نسمح بإغلاق الملف، وهنا انضم إلي عدد كبير من أعضاء المجلس حتى البعثيين منه مما اضطر رئيس المجلس لعدم إغلاق الملف. بعدها زرت وزير المواصلات من أجل مساعدتي في الحصول على وثائق الخلوي، فنصحني بالابتعاد عن هذه القضية لخطورتها، وحذرني من وجود نية بسجني والدكتور عارف دليلة إذا ما أصرينا على متابعة الحديث عن هذا الموضوع. وفي اليوم الأول من عودة المجلس للانعقاد في 15/5/2001 طالبت بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الموضوع، وأيدني في ذلك أكثرية أعضاء المجلس. وقدمت مذكرة من 6 صفحات تحت عنوان «لماذا التعتيم على عقود الخلوي» وزعتها على كبار المسؤولين وعلى زملائي في مجلس الشعب، وطلبت نشرها في جريدة تشرين، لكن ذلك لم يتحقق.بتاريخ 11/6/2001 حضر رئيس مجلس الوزراء للرد على سؤالي الخطي، وقدم اقتراحاً بإحالة الموضوع إلى لجان المجلس. وتم تكليف لجنتي القوانين المالية والخدمات بدراسة الموضوع. وبتاريخ 23/6/2001 قبل أربعة أيام من انتهاء الدورة التشريعية اجتمعت اللجنة المشتركة وحضر المدير العام للمؤسسة العامة للاتصالات مصطحباً نسخة من الوثائق المتعلقة بالعقود، تحوي مئات الصفحات ومعظمها باللغة الإنكليزية، سلمها لرئيس اللجنة مؤكداً على اعتبارها وثائق سرية يحظر تداولها. وتحت إصرار أعضاء اللجنة على توزيع نسخ من الوثائق على أعضائها تمت الموافقة على ذلك. لقد كان حرص رئيس المجلس ووزير المواصلات على إنجاز تقرير اللجنة قبل العطلة واضحاً، وكان من أهم ما أكده الوزير، هو أن التصديق النهائي للعقود لم يتم بعد. ونجحت اللجنة في تمديد المهلة الممنوحة لإنجاز عملها إلى الدورة التالية. وحاولت في تلك الفترة وسائل الإعلام الرسمية تكذيب ما كنت قد قدمته من معلومات وأرقام، وعندما طلبت من وسائل الإعلام نفسها نشر ردي على ما أوردته بهذا الشأن كان الجواب بالرفض دائماً. في منتصف آب 2001 أنجزت دراسة شاملة تحت عنوان «صفقة عقود الخلوي» موجهة لأعضاء مجلس الشعب، ووزعتها على عناصر الحكومة. أبرز نقاطها هي :إن توقيع عقود الخلوي، منح لشركات أجنبية امتياز إدارة واستثمار مرفق عام تملكه الدولة يتمثل في استثمار الترددات. وهذا يتطلب إصدار قانون خاص حسب المادة 71 من الدستور. إلا أن رغبة المستفيدين من العقود بإبرام الصفقة وسعة نفوذهم مكناهم من الالتفاف على الدستور، وإتمام الصفقة بسرية مطلقة.في البدء قدمت شركتين مغمورتين هدية للحكومة السورية لتركيب شبكات تجريبية تخدم 20 ألف خط خليوي مجاناً، وتم إجراء الترتيبات لصالح الشركتين المتبرعتين دون الحاجة إلى إعلان مناقصة. وبتاريخ 26/4/1999 وافق رئيس مجلس الوزراء على إدخال التجهيزات المطلوبة إدخالاً مؤقتاً على سبيل الإعارة، وينتهي مفعول الإدخال بتاريخ 14/12/2000 أبرمت عقود نهائية مكّنت الشركتين «المتبرعتين» من احتكار خدمات الهاتف الخلوي لمدة 15 عاماً قبل يومين فقط من انتهاء الفترة التجريبية المذكورة قاطعة الطريق أمام الشركات التي يمكن أن تدخل المنافسة.وبالعودة إلى وضع الشركتين المتعاقدتين بتاريخ توقيع العقود، نتبين أن الأولى، هي شركة «دريكس تكنولوجي» المحدودة المسؤولية، وهي مسجلة في الجزر العذراء البريطانية بتاريخ 4/7/2000 أي قبل أربعة أيام من تاريخ طرح المناقصة، وبرأسمال قدره 50 ألف دولار فقط، مع إغفال اسم المسؤول والمدير العام.. أما الشركة الثانية فهي «أنفيستكوم غلوبال»، وهي مسجلة أيضا في الجزر العذراء البريطانية وبرأسمال 50 ألف دولار. ومعروف أن الجزر العذراء البريطانية تسمى بالجنة الضريبية وتستقطب الشركات الوهمية والشركات التي تتعاطى غسيل الأموال حيث تقتصر التزامات الشركة على دفع رسم سنوي بسيط مقابل تسجيل عنوان وصندوق بريد. وهذا يبين أن صاحب الشركتين هو شخص واحد يمكن أن نطلق عليه لقب المستفيد.ومما أثار الريبة أكثر هو الخوف الذي كان يسيطر على رئيس مجلس الوزارة محمود الزعبي في تلك الفترة من تمرير تلك الصفقة كما تدل الوثائق، إذ قدم مدير عام المؤسسة مذكرة لرئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 3/2/2000 ترجح اختيار طريقة الـ«BOT» في التعاقد. وبتاريخ 1/3/2000 عقد اجتماع موسع في رئاسة مجلس الوزراء لم يتوصل إلى قرار. تلاه تقديم مذكرة من المؤسسة بتاريخ 4/3/2000 ثم عقد محمود الزعبي اجتماع آخر للوزارة بتاريخ 6/3/2000 برئاسته طلب فيه من المؤسسة ووزارة المواصلات إعداد مذكرة شاملة جديدة، تتضمن كافة المداولات الوزارية حتى تاريخه، ووضع ملحق لأهم الشروط التي ستتضمنها مشاريع دفاتر الشروط الفنية والحقوقية ليصار إلى تدقيقها من قبل وزارتي الاقتصاد والمالية. كما طلب تلخيصاً لكل المذكرات التي أعدتها المؤسسة. وتقديم دراسة مقارنة تبين ميزات ومساوئ الخيارات الأربعة المطروحة وهي:إما أن تكون مؤسسة الاتصــالات منفذاً ومشغلاً، وإما تلزيم المشروع عن طريق BOT ) ) ( بناء المشروع واستثماره لعدد من السنين ثم إعادته للدولة)، وإما بيع ترخيص الترددات عن طريق مزايدة علنية، أو إدارة قطاع الخلوي من القطاع المشترك بين المؤسسة والقطاع الخاص.يلاحظ مما تقدم هيمنة قضية الخلوي على اهتمامات حكومة الزعبي في الأيام الأخيرة من عمره, كان من المتعارف عليه أن يتطلب تنفيذ طلبات رئيس مجلس الوزراء في الأحوال العادية فريقاً كبيراً من المختصين وأسابيع إن لم تكن شهور من الدراسة والتدقيق, لكن معجزة قد حصلت هنا حيث أن كل الدراسات المطلوبة قد أنجزت خلال ساعات وأن محمود الزعبي رئيس الوزارة قد وافق على خيار ال BOT كما تمت إقالة حكومته في نفس اليوم وبقي رئيس مجلس الوزراء ميرو والوزراء ومؤسسة المواصلات مصرين على أن الزعبي هو من وافق على خيار ال BOT قبل إقالته بساعات، والحقيقة التي لا تقبل الشك أن رفض الزعبي خيار ال BOTكان سبب إقالته، وقد كانت العداوة بين كل من محمود الزعبي وسليم ياسين (نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد) مع محمد مخلوف معروفة للجميع وكانا يشتكيان دائماً من تغول محمد مخلوف على كل المشاريع الاقتصادية, وقد حدثني سليم ياسين عندما كنا معا في سجن عدرا أن محمد مخلوف تقدم بطلب إقامة صالة سوق حرة في مطار دمشق الدولي، الأمر الذي لم يوافق عليه سليم ياسين فانتظر ذهابه في إجازة طويلة ليحصل على الموافقة من محمد العمادي وليفاجئ سليم ياسين عند عودته ويجد أن السوق الحرة قد أقيمت.وتبين الوثائق أن مذكرة 7/3/2000 بالإضافة إلى ترجيح اختيار نظام الـ«BOT» أعطت المستفيد هدية ثمينة بتخفيض حصة الخزينة من العائدات من 40٪ إلى 30٪ في السنوات الثلاث الأولى من العقود. لكي لا تتحمل الحكومة الجديدة تبعات هذا العقد المجحف، والأنكى أن هذه الحكومة لم تكتف بذلك فوفرت للمستفيد أرباحاً إضافية على حساب خزينة الدولة بالطرق التالية:بتاريخ 4/3/2001 أي بعد ثلاثة أسابيع من توقيع العقد، وافقت الحكومة على إعفاء الشركتين من دفع أي رسوم جمركية على مستورداتهما التي تتعلق بالمشروع واعتبارها إدخالاً مؤقتاً، علماً أن مذكرة المؤسسة بتاريخ 7/3/2000 قدرت الرسوم الجمركية المتوجب دفعها بخمسة مليارات ل.س.وبعد شهر من تاريخ توقيع العقود، أي في 13/3/ 2001 أصدر مدير عام مؤسسة الاتصالات كتاباً يمنح فيه الشركتين المتعاقدتين حسومات في أجور الدارات، يصل مجموعها إلى أكثر من 12 مليار ل.س خلال فترة التعاقد محسوبة على العدد المتعاقد عليه أي مليون وسبعمائة ألف خط، وعند مضاعفة عدد الخطوط كما يبين الواقع فإن رقم 12 مليارا سوف يتضاعف بنفس النسبة.تم تحديد عدد الخطوط لكل عقد بـ850 ألف مشترك، بينما كانت كل التوقعات تشير إلى أن احتياجات السوق تصل إلى أضعاف هذا العدد قبل السماح لمشغل ثالث بدخول السوق عام 2008. وللهروب من دفع أي أعباء مالية للخطوط التي تزيد عن 850 ألف أرسلت شركتان كتاباً لمؤسسة الاتصالات يبين أن الشركة ملتزمة بتركيب 850 ألف خط وحسب الحاجة, وبما أن المؤسسة لم ترد على كتابها فاعتبر بحكم الموافق عليه، مانحاً الشركة المستثمرة فرصة لتوسيع الخطوط حسب حاجة السوق دون أن يترتب عليها أية التزامات إضافية، وقد وصل عدد الخطوط فعلا الى أضعاف العدد المسجل في العقد.لقد قدرت المؤسسة العامة للاتصالات بتاريخ 7/3/2000, ربح الشركتين قبل دفع الضريبة بـ 121.815 ملياراً عن مليون وسبعمائة ألف خط كحد أعلى، يحول منها 36٪ للخزينة كضرائب، ليصبح الربح الصافي للمستفيد 77 مليار ل.س فقط. وإذا أخذنا بعين الاعتبار عامل تخفيض الضريبة من 36٪ الى 18٪ وزيادة عدد الخطوط لأكثر من ثلاثة أضعاف العدد المتعاقد عليه، وبإضافة الأرباح عبر كل الطرق الاحتيالية التي تطرقنا اليها سابقاً، ندرك أهمية هذه الصفقة الاحتكارية التي تدر مئات مليارات الليرات السورية على المستفيد الأساسي منها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وأهم المتربعين على قمة هرم المافيا الاقتصادية التي تحكم سورية. بتاريخ 14/8/2001 قمت بتوزيع آلاف النسخ من كتيب صغير (96 صفحة) بعنوان «صفقة عقود الخلوي» والذي أعتقد أنه كان أحد أهم الأسباب الرئيسة في قرار السلطة باعتقالي وذلك بعد فترة لا تتجاوز الشهر من فضح صفقة الخليوي، ثم محاكمتي وإيداعي السجن، على الرغم من كوني عضواً في مجلس الشعب.

مقالات ذات صلة

USA