• السبت , 27 أبريل 2024

العلاقة بين العشائر العربية و ميليشيات قسد الإرهابية : الواقع والمستقبل

إعداد أنس شواخ / جسور للدراسات

مقدّمة

تُعتبر معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال وشمال شرق سورية مناطق ذات طابع عشائري، مما فرض على قسد والإدارة الذاتية منذ تأسيسهما التعامل على هذا الأساس والتواصل بشكل رئيسي مع الفاعلين المحليين من شيوخ ووجهاء قبائل وعشائر وَفْق سياسات مختلفة بين الاستثمار أو التحالف أو التفكيك أو تغيير مراكز القوى للقبائل والعشائر بالشكل الذي يضمن مصالحهما واستدامة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

أوّلاً: طبيعة العلاقة بين الطرفين

تحرص قسد بشكل دائم على إظهار تواصُلها الدائم مع وُجهاء وشيوخ قبائل وعشائر المناطق التي تسيطر عليها؛ بعدة طرق أبرزها الاجتماعات؛ حيث تقوم قيادة قسد بعقد لقاء دوري سنوي مع الوُجهاء والشيوخ من مختلف مناطق سيطرة قسد، لكن علاقتها الحقيقية مع هذه القبائل والعشائر تتمّ عَبْر إستراتيجية محددة وتظهر بعدة أشكال هي:

1. الاستثمار والاستغلال المُتبادَل:

تستثمر قسد في علاقاتها التي تبنيها مع شيوخ ووُجهاء بعض القبائل الموالين لها عَبْر تقديم امتيازات خاصة لبعضهم كالتدخل في التعيينات الإدارية ضِمن مؤسسات الإدارة الذاتية في مناطقهم، أو عَبْر منحهم فرصة كفالة مجموعات محددة من المدنيين المحتجَزين في مخيم الهول وإخراجهم بناءً على هذه الكفالات، مما يساعدهم في تعزيز حضورهم وتأثيرهم داخل مناطقهم وقبائلهم، أو استغلال هذا الامتياز مادياً عَبْر طلب مبالغ مالية من بعض المدنيين مقابل كفالتهم لدى قسد لإخراجهم من المخيم.

في المقابل، تحصل قسد والإدارة الذاتية بالمقابل على ولاء الشيوخ والوُجهاء، وتضمن تدخُّلهم لصالحها في حالات الاحتجاجات الشعبية المناهضة لسياسة قسد. كما تستثمر هذه العلاقة إعلامياً عَبْر مشاركة هؤلاء الشيوخ في البيانات والتصريحات الإعلامية الداعمة لسياسة قسد وحتى حزب العمال الكردستاني، وغالباً ما يكون لدى قسد والإدارة الذاتية مجموعة ثابتة من الشيوخ والوُجهاء الموالين لها في كل منطقة تُقدّم لهم الامتيازات المذكورة إضافة لمبالغ مالية شهرية ثابتة في بعض الأحيان.

2. التحالُف:

أخذت علاقة قسد والإدارة الذاتية مع قبائل وعشائر معينة -في بعض الحالات- شكل التحالُف القائم على التنسيق والدعم المنتظم والمستمر منذ التأسيس.

والمثال الأبرز على ذلك، علاقة قسد والإدارة الذاتية بقبيلة شمّر؛ إذ تُعتبر “قوات الصناديد” إحدى المكونات الرئيسية لقسد منذ تأسيسها وشاركت قبلها في المعارك ضدّ تنظيم داعش، وكان شيخ القبيلة حميدي الجربا حاكماً مشتركاً لإقليم الجزيرة (الحسكة) التابعة للإدارة الذاتية حتى وفاته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. ويبدو أنّ هذا الشكل من العلاقة ناتج عن تماسُك مشيخة القبيلة وامتلاكها مناطق انتشار شِبه صافية في المناطق القريبة من الحدود العراقية السورية في تل حميس وتل كوجر، عدا مشاركتها السياسية المبكرة في النزاع المستمر في سورية ووجود قوة عسكرية تابعة للقبيلة منذ عام 2013 قبل تأسيس قسد. مع ذلك قامت قسد والإدارة الذاتية بعدة خُطوات حاولت خلالها تقسيم القبيلة وتوزيع مراكز القوة فيها بدعم تأسيس قوى عسكرية وأحزاب سياسية ضِمن القبيلة -كفصيل حماة الجزيرة وحزب البناء والتطوير السوري- لمنافسة نظيراتها التابعة لمشيخة القبيلة التاريخية المتمثلة بآل الجربا.

3. التفكيك وتغيير مراكز القوة داخل القبيلة:

هناك الكثير من القبائل والعشائر العربية التي لم تتحالف قسد أو الإدارة الذاتية معها، لكنها عملت على تأسيس علاقة استثمار وتبادُل مصالح مع بعض شيوخها أو وُجهائها بالتوازي مع العمل على تفكيك هذه القبائل وإعادة توزيع مراكز القوة فيها. تلجأ قسد غالباً إلى هذا الخيار للتعامُل مع القبائل والعشائر الكبيرة التي لا تؤيد مشروع الإدارة الذاتية أو تدعمه بالشكل المطلوب الذي ترغب به قسد التي لا تستطيع الدخول في مواجهة مباشرة مع هذه القبائل أو العشائر.

على سبيل المثال، في حالة قبيلة العكيدات كانت قسد تدعم قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل واعتبرته ممثلها الأول في دير الزور -رغم الانتهاكات التي كان متورِّطاً بها- لكن قسد بذات الوقت كانت ترى فيه مركزَ قوةٍ ناشئاً يساعدها في تقويض وتفكيك إحدى أكبر قبائل دير الزور وهي قبيلة العكيدات، خاصةً أنّه كان أحد أبناء القبيلة وتمرد على المشيخة التاريخية للقبيلة المتمثلة بآل الهفل عَبْر محاولة احتكار قرار القبيلة وإعلانه عن تأسيس “إمارة زبيد” التي تتجاوز مشيخة آل الهفل وتسعى لتحييدها.

تمكنت قسد عَبْر هذا التكتيك من إضعاف قدرة التأثير والتماسُك في قبيلة العكيدات في المرحلة الأولى ولاحقاً حجّمت قدرة أحمد الخبيل وعزلته عن منصبه في قيادة مجلس دير الزور العسكري وواجهت أيضاً مشيخة القبيلة المتمثلة بآل الهفل حيث ما يزال شيخ القبيلة إبراهيم الهفل يُعتبر مطلوباً أمنياً لدى قسد التي تعمل في هذه المرحلة على تقسيم القبيلة بعيداً عن مراكز القوة المذكورة سابقاً، عَبْر تأسيس 3 مجالس عسكرية مستقلة جديدة في مناطق سيطرتها في دير الزور، مما سيثبت حالة التقسيم داخل قبيلة العكيدات وعموم القوى القبائلية والعشائرية الأخرى في دير الزور.

أحياناً تعمل قسد أو الإدارة الذاتية أو القوى الداعمة لها على إحداث تغيير قسري داخل هيكلية قيادة أو مشيخة بعض القبائل أو العشائر، خاصةً تلك التي تكون ذات ثقل شعبي وغير موالية لمشروع الإدارة الذاتية، ويتم ذلك إما عَبْر دعم شخصيات ثانوية داخل تلك القبائل أو عَبْر التصفية كعمليتَيْ الاغتيال اللتين طالتَا كلّاً من الشيخ بشير الهويدي شيخ قبيلة العفادلة والشيخ عبيد الحسان شيخ عشيرة البوعساف في محافظة الرقة عامَيْ 2019 و2022 وتم اتهام قسد بالوقوف خلفهما، خاصةً أنه كان يُعرف عن كِلا الشخصين انتقادهما العلني والدائم لسياسات قسد والإدارة الذاتية، وأعقب هذه العمليات خلق قيادات جديدة أضعف وأكثر قابلية للتحكُّم بها.

ثانياً: تحدِّيات تُواجِه العلاقة بين الطرفين

يمكن اعتبار الارتباط العضوي بين قسد والإدارة الذاتية من جهة وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD من جهة أخرى أحد أهم العوائق والتحديات التي تواجه استقرار وتحسُّن العلاقة بين قسد أو الإدارة الذاتية مع القبائل والعشائر العربية.

فسياسياً يقوم كِلا الحزبين باحتكار السلطة ورفض مشاركتها مع الأحزاب أو القوى الأخرى سواءً كانت سياسية كأحزاب المجلس الوطني الكردي أم اجتماعية كالعشائر والقبائل العربية التي تمثّل المنافس السياسي الأقوى في المجتمع المحلي ذي الطبيعة العشائرية عموماً.

كذلك ولكون كِلا الحزبين يساريين فإن موقفهما سلبي عموماً من الكيانات القبلية والعشائرية العربية والكردية -على حدّ سواء- ويتعاملان معها كأشكال اجتماعية رجعية يلزم العمل على تفكيكها وتقويضها تدريجياً، كما أن الأثر الأيديولوجي المسيطر لهذين الحزبين على بعض المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية والقوانين التي تفرضها يتعارض بشكل كبير مع طبيعة وعادات وقِيَم المجتمع العشائري المحافظة غالباً كقانون منع تعدُّد الزوجات الذي تحاول مؤسسات تتبع وحدات حماية المرأة YPJ تطبيقه في كل مناطق سيطرة قسد رغم تعارُضه مع القِيَم الاجتماعية والدينية للمجتمعات العربية والكردية، إضافة للمؤسسات التي تعمل على تجنيد النساء أو إخضاعهن لعمليات أدلجة لصالح أفكار الحزبين.

هذا التحدي على وجه الخصوص كان أحد الأسباب الرئيسية لموجات احتجاج مناهضة لسياسة قسد والإدارة الذاتية في مناطق سيطرتها لا سيما دير الزور.

ثالثاً: مستقبل العلاقة بين الطرفين

مرّت العلاقة بين قسد والإدارة الذاتية من جهة والقبائل والعشائر العربية من جهة أخرى بعدة محطات غلب عليها حالة عدم الاستقرار، التي تُلاحَظ من موجات الاحتجاج المتكرر والمستمرة ورفض السكان لسياسات المشروع وعناصره خاصةً في مناطق دير الزور ومنبج.

يمكن اعتبار الحراك العشائري الذي اندلع في آب/ أغسطس 2023، وتحوّل لنزاع مسلح بين مقاتلين عشائريين وقسد في دير الزور إحدى أهمّ محطّات العلاقة بين الطرفين؛ حيث كان النزاع انعكاساً لحقيقة تلك العلاقة؛ كونه أظهر بشكل واضح تخوُّف قسد من القبائل والعشائر العربية واختيارها بالمحصلة المواجهة العسكرية والأمنية مع القوى العشائرية واتهامها بالارتباط بتنظيم داعش تارةً وبالنظام السوري والميليشيات الإيرانية تارةً أخرى.

تُشير مختلف المعطيات لاستمرار طبيعة العلاقة بين الطرفين وَفْق الواقع القائم على تبادُل المصالح مع شخصيات شكلية غير فاعلة ضِمن القبائل والعشائر العربية مقابل منحها مكاسب وامتيازات شخصية محدودة، بالتوازي مع عمل مستمر من قِبل قسد والإدارة الذاتية لتفكيك وتقويض قدرة معظم الشخصيات والكتل العشائرية الفاعلة وغير الموالية لمشروع قسد والإدارة الذاتية. هذا المآل في العلاقة قد يؤدي لزيادة في حالة عدم الاستقرار على مختلف الأصعدة داخل مناطق سيطرة قسد.

لكنّ استمرار العلاقة بشكلها الراهن بين الطرفين يرتبط بشكل كبير بنتائج الحراك العشائري في دير الزور الذي -إنْ نجح في تحقيق مطالبه- قد يكون نموذجاً يشجّع قوى قبلية وعشائرية أخرى لتطبيقه في بقية مناطق سيطرة قسد خاصة ذات الطبيعة العشائرية المشابهة.

في جميع الأحوال -في ظل عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني حقيقية أو قوى وأحزاب سياسية ومؤسسات معارضة أو شريكة في مشروع الإدارة الذاتية- تبقى القبائل والعشائر العربية الطرف شِبه الوحيد لأي معارضة أو شراكة حقيقية في إدارة معظم المناطق التي تسيطر عليها قسد -حالياً- في حال تمكُّنها من التوافُق وصياغة برنامج عمل سياسي موحَّد يتيح لها المشاركة الفعالة في إدارة مناطقها وإلّا فإنّ نشاطها ودورها سيبقى محدوداً وغير منتظم يتمثّل في أحسن الأحوال باحتجاجات شعبية متفرقة ذات مطالب محدودة.

خُلاصة

خلّفت سنوات النزاع السوري المستمر آثاراً سلبية على القبائل والعشائر العربية وهياكلها القيادية التقليدية؛ نتيجة الاستقطاب الداخلي في صفوف أبنائها أو دخولها في مُواجَهات متفرقة مع عدد من السلطات المحلية الناشئة أو سلطة النظام السوري. مع ذلك يُلاحَظ تنامي الحالة القبلية والعشائرية؛ نتيجة زيادة حاجة أبناء تلك القبائل إلى سلطة أو قوة بديلة لتعويض غياب السلطة المركزية والاستقرار الأمني والسياسي.

ورغم أهمية احتواء أو ضمان مشاركة القوى القبيلة والعشائرية إلّا أنّ معظمها فضلاً عن سلطات الأمر الواقع التي نشأت خلال النزاع، وعلى رأسها قسد والإدارة الذاتية لم تنجح -إلى الآن- في إيجاد صيغة صحيحة لطبيعة علاقتها مع القوى القَبَلِيّة والعشائرية الموجودة في مناطق سيطرتها، وهي ما تزال تنظر -على ما يبدو- لتلك القوى كعدوّ أو منافس محتمل تعمل على تهميشه ومحاولة تفكيكه أو تقويضه على الأقل دون البحث عن خلق فرص شراكة حقيقية معها، مما خلق حالة من انعدام الثقة بين الطرفين ظهرت في حالاتٍ عِدّةٍ على شكل احتجاجات أو مظاهرات تطوّرت أحياناً لمواجهات مسلحة متبادَلة.

مقالات ذات صلة

USA