• السبت , 27 أبريل 2024

العلاقات التركية الروسية بعد قمة فيلنيوس؟

سمير صالحة

موقع تلفزيون سوريا:16/7/2023

معادلة “اهدأ وتماسك أعصابك، ستسوى الأمور” التي يرددها مغني البوب الفرنسي نهير، صعبة التطبيق على الحالة النفسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد الآن. خصوصا أن نظيره الأميركي جو بايدن يقول له إنه خسر الحرب في أوكرانيا قبل أن تبدأ.

هدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باتخاذ إجراءات استباقية ردا على احتمال انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وقال “إن المواجهة المسلحة في أوكرانيا ستستمر إلى أن يتخلى الغرب عن خططه للسيطرة على موسكو وهزيمتها”.

ما الذي قاد لافروف لإطلاق مثل هذه التصريحات النارية وما هي حصة تركيا فيها؟تتفهم موسكو “القرار التركي بالنظر إلى متطلبات عضويتها في الحلف” كما قال المتحدث باسم الكرملين بيسكوف تعليقاً على المفاجأة التركية.

وهو قد يكون محقا عندما يردد “لا أحد في أوروبا يريد رؤية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وهنا يجب ألا يضع شركاؤنا الأتراك نظارات وردية أيضاً”.

لكن التصعيد الروسي الذي يعكس حالة الانفعال والقلق حمله رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف، بقوله، إن تركيا “تتحول إلى دولة غير صديقة بعد اتخاذها سلسلة من القرارات الاستفزازية.. مثل هذا السلوك لا يمكن وصفه بأي شيء سوى طعنة في الظهر”.

قدمت موسكو أكثر من خدمة للقيادات التركية في أصعب الظروف التي عاشتها وتعيشها تركيا. رد الجميل التركي لم يتأخر في أكثر من مكان ومجال.

توج المسار الجديد في العلاقات برفض أردوغان الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا.

والذي قابله علاقات سياحية وتجارية وصلت إلى 26 مليار دولار في العام المنصرم، وتعهدات روسية بدعم تركيا في الوصول إلى ما تريده في ملفات الطاقة الإقليمية، وتسريع إنجاز بناء محطة الطاقة النووية في مرسين. كما أنها وافقت على إرجاء تسديد تركيا لديونها لها بقيمة 4 مليارات دولار من فاتورة استيراد الغاز.

تمكن الرئيس رجب طيب أردوغان خلال أعمال قمة حلف الأطلسي الأخيرة في ليتوانيا، من تذكير القيادات والعواصم الغربية مرة أخرى بالموقع والدور التركي في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. لكن موسكو ترى في ذلك محاولات مقايضة على حسابها لذلك هي غاضبة ولأكثر من سبب يتقدمه:

– سماح القيادات التركية لمجموعة من ضباط كتيبة «آزوف» القومية الأوكرانية الذين تستضيفهم تركيا في إطار عملية تبادل أسرى روسية أوكرانية، بالعودة إلى بلدهم مع الرئيس زيلينسكي الذي زار أنقرة الأسبوع المنصرم.

– حديث الرئيس التركي عن استعداد بلاده لدعم عضوية أوكرانيا في الناتو عندما يحين الوقت.

– إعلان أردوغان أن بلاده متمسكة بخياراتها الغربية سواء تحت مظلة حلف الأطلسي أو في مسألة الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي وهو ما يبدد حلم روسيا أن تركيا بدأت تتوجه شرقا وتقترب أكثر من البريكس الروسي الصيني الإيراني.

– قبول أنقرة لتليين مواقفها في موضوع عضوية السويد الأطلسية والإعلان عن قرار نقل الموضوع إلى البرلمان التركي في دورته الجديدة بعد شهرين.

هي من المرّات النادرة التي تُصدر موسكو موقفاً ينتقد بشدّة سلوك أنقرة بعد مصالحة وتطبيع وتنسيق بدأ قبل 8 سنوات.

فبعد ساعات على تصريحات الناطق باسم الكرملين كان الوزير لافروف ونظيره التركي هاكان فيدان يناقشان اتفاق الحبوب، الذي لم توافق موسكو على تمديده حتى الآن، من دون الحصول على ضمانات بتسهيل صادراتها هي أيضا. ثم جاء الفيتو الروسي في مجلس الأمن في مواجهة الرغبة الغربية بمواصلة عمليات إدخال المساعدات إلى سوريا بالطريقة المعتمدة.

والإعلان عن عدم وجود أي تنسيق روسي تركي حول زيارة مرتقبة لبوتين لأنقرة في الشهر المقبل على عكس ما يقال في تركيا. وهو ما يعني أن الكرملين قد يعرقل رغبة الأتراك في أن تكون أنقرة مكاناً لحوار دبلوماسي جديد بين موسكو وكييف، على غرار ما كان يجري في الأشهر التي تلت الهجوم الروسي على أوكرانيا.

كان رئيس جهاز الاستخبارت التركي الحالي إبراهيم كالين يتحدث قبل أشهر عن الدول الغربية التي “تمارس ضغوطا لا تصدق علينا، يأتون ويطالبون بفرض عقوبات، ويسألون لماذا نتعاون مع روسيا، واحتفلنا بمراسم تسليم أول شحنة وقود إلى محطة أكويو للطاقة النووية، لكننا لم نسمع أيا منهم يسألنا لماذا تسير العلاقات التركية الروسية على هذا النحو”.

أما اليوم فأنقرة وكما يبدو تستعد لإغضاب موسكو أكثر في المرحلة القادمة بسبب جملة من الملفات الأساسية التي تقلق الأخيرة: الموافقة على انضمام السويد إلى الناتو، وبالتالي منح واشنطن ما تريد لناحية عضوية السويد في الأطلسي ولاحقا عضوية أوكرانيا وهو ما يعني هزيمة روسيا استراتيجيا في الحرب الأوكرانية حتى ولو كانت تنتصر عسكريا على الجبهات. إلى جانب احتمال التراجع عن خطوة تطبيع العلاقات مع دمشق بعد محادثات أردوغان – بايدن حول موضوع شرق الفرات.

فهل تذهب الأمور بالنسبة لتركيا في اتجاه استكمال حلقات المصالحة الإقليمية، أم تذهب في اتجاه التصعيد وإشعال جبهات الشمال السوري مجدّداً على حساب روسيا والنظام وإيران مما يعني توتر العلاقات معهما من جديد؟لم تتخذ قيادات الناتو قرار دعوة أوكرانيا للحلف لأن موسكو سترى فيه قمّة الاستفزاز. لكنها حققت الخطوة الاستراتيجية التي لا تقل قيمة عنها وهي إقناع تركيا بالتخلي عن معارضتها لانضمام السويد إلى الحلف.

الرئيس الأميركي بايدن يريد أكثر من ذلك. أن تكون القمة الأطلسية فرصة تقود إلى تحول استراتيجي في مسار الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ويريدها أيضا أن تكون وسيلة لتصفية الحسابات مع موسكو في سوريا والبحر الأسود وجنوب القوقاز. القادر على فعل ذلك هو الموقع والدور التركي وهذا ما يقلق الرئيس الروسي أكثر من غيره.

فلِمَ لا تكون المقايضة التركية الأميركية تتم في صفقة أف – 16 وموضوع قسد في شرق سوريا؟قد يترك الرئيس التركي نظيره الروسي بوتين أمام معضلة صعبة ومعقدة، هدفها عدم إطالة الحرب في أوكرانيا أكثر من ذلك ويلزمه مجددا بالتوجه نحو طاولة الحل السياسي إذا ما كان يريد موازنة العروض الأميركية المقدمة لأردوغان.

موسكو لا تريد منح أنقرة فرصة من هذا النوع حتى ولو لم يحسم الوضع الميداني لصالحها. هي لا تريد أن تجلس أمام طاولة معادلة لا غالب ولا مغلوب، ثم تتحمل لاحقا أعباء وارتدادات الحرب السياسية والاقتصادية في الداخل الروسي وفي الخارج.

الرد الروسي على أية تفاهمات تركية أميركية تظهر إلى العلن على حساب موسكو، قد لا يتأخر وهو سيكون أبعد وأهم من إلغاء بوتين لزيارته التي يتحدث عنها الأتراك.

الرد سيكون أولا باتجاه تغيير أرقام دراسة لمصرف “توتشكا” الروسي تظهر أن تركيا شغلت في النصف الأول من عام 2023 المركز الثاني في توريد البضائع إلى روسيا، متجاوزة بيلاروسيا بنسبة 13٪ من جميع البضائع المستوردة من الخارج.

والحؤول دون لعب أنقرة للورقة الروسية في المقايضات مع الغرب.

لكن التحرك الروسي الحقيقي قد يكون في مناطق تداخل نفوذ استراتيجي أكبر وأهم في جنوب القوقاز وشمال سوريا.

تجنب الرئيس التركي “الاحتكاك” بروسيا خلال مؤتمره الصحفي في أعقاب القمة الأطلسية. تجاهل أسئلة “استفزازية” كثيرة وحاول قدر المستطاع اختصار واختزال الردود حول العلاقات التركية الأوكرانية وسياسة روسيا في القوقاز.

لكن مشكلة أردوغان تبقى في استحالة المناورة في مساحة تضيق جغرافيا واستراتيجيا يوما بعد يوم لناحية مستقبل العلاقات التركية مع الغرب وروسيا.

كلما تعمقت الخلافات الغربية الروسية تراجعت حظوظ أنقرة في اللعب على حبال المناورة بين الشرق والغرب وكما فعلت لعقود.

قرار دعم عضوية السويد والتفاهم مع واشنطن من جديد وتذكير القيادات الأوروبية بالعضوية التركية في الاتحاد تؤكد ذلك.

مقالات ذات صلة

USA