• السبت , 27 أبريل 2024

عالم تسوده شريعة الغاب

[بقلم الدكتور محمود الحمزة]

27/6/2021

عندما تستمع إلى رؤساء دول يتحدثون أو مسؤولين كبار يصرحون، فإنك مضطر لتصديق ولو جزء بسيط من كلامهم نظرا للمنصب الذي يشغلونه. ولكن عندما تسمعهم مرات ومرات وتعرف عين اليقين أنهم ينافقون ويخادعون ويقولون أشياء غير واقعية ولكنهم يعتقدون انها صحيحة أو انها غير صحيحة ولكنها تخدم مصالحهم، فإنك تصاب بالذهول من عالم لا تعرف من تصدق فيه، فهناك من يتحدث ليلا نهارا باسم مراعاة القانون الدولي وهم اول من يخرقه، وهناك من يتحدث عن السيادة وهم اول من ينتهكها، وغيرهم يتحدثون عن حق الشعوب في تقرير مصيرها وهم اول من يعرقل ذلك!ولكن ذهولنا وعجبنا سيخف قليلا لو فكرنا بطريقة منطقية وعلمية شاملة توضح طبيعة الأشياء وتربط بين الاحداث بعمق. فما نراه على السطح لا يعكس إلا جزء من جوهر الظواهر وحقيقة تطورها.

فهناك حقائق كبرى تعلمناها من التاريخ العالمي لا يستطيع البعض، وقد لا يرغب، بتصديقها، لأنها لا تتوافق مع اجنداتهم واحلامهم. وقد تغيب تلك الحقائق عن إدراك ووعي الناس العاديين لعدم المامهم بمسيرة الاحداث التاريخية. هذه المقدمة أردت منها مقاربة المنطق السائد لدى قيادات دول كبرى ومنها روسيا وأمريكا.فالقوة الاقتصادية الروسية لا تقارن بالاقتصاد الأمريكي أو الصيني ، وانما لديها ثروات طبيعية غنية وقوة عسكرية ونووية وهي عضو دائم في مجلس الأمن.

فهل ذلك كافي لخوض معركة كبرى على الصعيد الدولي ولا نتحدث عن مجابهة قوى صغيرة وقمع حركات شعبية، بل الوقوف امام دول عظمى تصفها موسكو بأنها ندية لها.أبسط الأدلة على قوة الدول هي معرفة الجواب على سؤال: من يوجه عقوبات لمن في هذا العالم؟ الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هم من يتخذ العقوبات ضد روسيا وهم من يحاصر روسيا وهم من يضغط على روسيا.

وماذا تفعل روسيا بالمقابل؟ تقول انها ترد بالمثل ولكن هيهات فليس لديها أي شيء تعاقب به الغرب سوى إمكانية قطع الغاز الطبيعي وهذا مستحيل لأن ذلك سيلحق بالاقتصاد الروسي خسائر لا تعوض.

ولكي نتعرف أكثر على حقيقة النفاق الدولي وخداع الشعوب يكفي أن نسمع وندقق بالتصريحات الرسمية وما تروجه وسائل الاعلام، حتى ندرك أن الدول الكبرى تمارس سياسة اللعب بمصير الشعوب وفق خطط وآليات محكمة تخلق المشكلة وتتحكم بها ثم تدعي انها ستساعد الشعوب في حلها بعد أن تكون تلك المشاكل قد حققت أهدافها من قتل وتدمير وتقسيم وتهجير وتغيير ديموغرافي.هكذا حدث ويحدث في سوريا.

انطلقت في مارس/آذار 2011 ثورة شعبية وطنية سلمية ، لكن النظام مدعوما من دول كبرى وقوى إقليمية عمل على إجهاض هذه الثورة وتشويه وجهها النقي الوطني الطامح للحرية والكرامة.فمن جهة وحشية النظام وبطشه بمساعدة نظام الملالي وميليشياتهم الطائفية المقينتة، ومن جهة التخاذل الدولي والصمت المريع أمام إبادة الشعب السوري ومن جهة ثالثة تدخل روسيا بكل قوتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية لحماية نظام الأسد الذي ترى فيه صديقا لها أو على الأقل أفضل من يحمي مصالحها في سوريا المهمة جدا من الناحية الجيوسياسية لروسيا. وهذا بتقديري موقف خاطئأما الولايات المتحدة وهي أدرى الناس بالإرهابيين وصناعتهم وهي المسؤولة عن تأسيس تنظيم القاعدة (في أفغانستان) وهي الأدرى بمشتقات القاعدة مثل داعش وجبهة النصرة، فقد اتخذت أمريكا موقفا مظللا عنوانه محاربة الإرهاب، وبقوا اكثر من 5 سنوات يحاربون داعش الإرهابية في سوريا! والسوريون يعرفون أكثر من غيرهم أن محاربة روسيا وامريكا لداعش في سوريا في اغلبها شكلية وليست جوهرية فداعش التي تتلقى تعليمات من أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية كانت تتصرف بشكل دقيق ومنظم وفعال لدرجة ان الدول تعجز عن هذه الممارسات.

وأن داعش كانت تترحك بحرية في سوريا والعراق وعندما ارادت انسحبت بقواتها ولا نعرف اين ستظهر لاحقا.ومن نتائج داعش ومشتقاتها قيام النظام وإيران بتسليح ميليشيات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (صنيعة الأسد) التي تطورت لاحقا الى قسد بقيادات من حزب العمال الكردستاني التركي. والمفاجأة الظاهرية هي أن الولايات المتحدة تبنت قسد (كانت على علاقة وثيقة مع روسيا) وأصبحت تستخدمها بحجة محاربة الإرهاب.

والحقيقة ان الولايات المتحدة لديها اجندة أكبر من قسد وهي تحويل سوريا الى دولة ضعيفة وفاشلة لكيلا تشكل خطر على إسرائيل.وسأذكر بعض الأمثلة.عندما تحرك مقاتلو داعش من الشمال إلى تدمر لاحتلالها في مايو/أيار 2015 ، كانت ارتالهم على مسافة كيلومترات وهي مكونة من الأشخاص وعائلاتهم بعتادهم الثقيل (وكأنهم في نزهة) وعندما ابلغ ناشطون سوريون قوات التحالف الدولي (أمريكا) بالأمر يقال أن الرد كان لا نستطيع قصفهم لان معهم أطفال!والمرة الثانية بعد تحرير تدمر من داعش على يد القوات الروسية وميليشيات النظام وايران (التي اتهمهم الروس وهذا موثق في تحليل خبير عسكري روسي بانهم تخاذلوا وهربوا تاركين أسلحتهم وظلوا يبحثون عن جنرال سوري كبير من قيادة الأركان السورية عدة أيام حتى وجدوه).

وعندما خرجت داعش بقواتها ومعداتها الثقيلة من تدمر متجهة إلى دير الزور في مارس/اذار 2017 في طريق صحرواي مكشوف تماما وطوله يزيد عن 200 كيلومتر، فلا الامريكان ولا الروس بأقمارهم الصناعية المتطورة وطيرانهم التجسسي الذي يجوب الأجواء السورية، وحتى بالعين المجردة الكل كان يعرف ان داعش انتقلت من تدمر الى دير الزور فلماذا لم تقصفهم قوات التحالف الدولي ولا الطائرات الروسية؟؟؟؟؟؟هناك امثلة أخرى على السياسة الامريكية والروسية.

ففي وقت يعتبرون القاعدة وطالبان والأخوان المسلمين وحزب الله والحوثيين وغيرهم تنظيمات إرهابية، إلا أن موسكو وواشنطن تتعامل مع تلك التنظيمات بكل اريحية وتقيم حوارات معها وتدعيها لمؤتمرات علنية دون رادع سياسي أو أخلاقي.واصلا فكرة الإرهاب، منذ تفجيرات سبتمبر/أيلول 2001 لمبنى التجارة العالمي في نيويورك، اخترعتها قوى استخباراتية عالمية انطلقت من واشنطن كشبح جديد (بعد انهيار شبح النظام الشيوعي العالمي الذي استخدمه الغرب كبعبع لتخويف شعوبها من خطره) يجب توجيه انظار الدنيا كلها اليه لمحاربته وترويع كل من لا يخضع لسياسة العولمة الجديدة، وقد انخرط الروس في هذه المعركة تحت حجج مختلفة منها البحث عن إمكانية إيجاد لغة ومصالح مشتركة مع الامريكان ولكن حتى اليوم دون جدوى.

وهناك ادلة كثيرة تثبت أن قادة من داعش وجبهة النصرة ومقاتليها زاروا طهران وضموا في صفوفهم ضباط استخبارات اسديين وايرانيين وأجانب، وهدفهم المشترك كان العمل على اجهاض الثورة السورية وتثبيت النظام.

لقد نجح النظام الاسدي ونجحت داعش ومن وراءها ومن معها، بتواطئ اعلامي عالمي، بتشويه صورة الثورة في العالم (الذي أراد ذلك فحقق ما يريد) واختلطت صورة الثورة النقية بممارسات ورايات تنظيمات وفصائل مسلحة إسلامية وارهابية كلها كانت ضد أهداف الثورة علنا ام بشكل غير مباشر (علوش مثلا صرح بانه سيدعس على الديمقراطية)، وإلا ماذا يعني ان المناطق التي تم تحريرها أصبحت تخضع لفتاوى اهل اللحى الأميين الذين حاربوا المجتمع المدني ولم تكن ممارساتهم أفضل من النظام واجهزته القذرة.يتشدق الروس كثيرا بالحديث عن القانون الدولي واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها وحق السوريين في تقرير مستقبل بلادهم. وهذا كلام جيد ولكن لننظر الى الواقع.

تدخلت روسيا منذ اليوم الأول للثورة الى جانب النظام الاستبدادي الفاسد ضد إرادة الشعب السوري. فهل دعم نظام شمولي بحجة الشرعية، علما أنه سيطر على السلطة منذ 50 سنة بانقلاب عسكري دموي ومارس سياسة قمعية وحشية، هو حماية للقانون الدولي والسيادة. ثم اين هي سيادة سوريا؟يشرف النظام فقط على 17 % من الحدود البرية السورية ولا يتحكم بالموانئ والمطارات لأنها كلها تحت اشراف إيراني وروسي وامريكي.

والان سوريا موزعة بين احتلالات عدة لدول كبرى واقليمية وميليشيات فرضت سلطة الامر الواقع وهي أيضا ساهمت في اجهاض الثورة السورية وما زالت.الروس يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في الحياة السورية الى جانب الإيرانيين وكلاهما يتحدث عن حق السوريين في تقرير مصيرهم.

لدرجة ان الروس تورطوا بنشر مشروع دستور لسورية الجديدة أعده خبراء روس وهذا اقل ما يقال عنه انه إهانة للكفاءات القانونية السورية المتميزة، التي ساهمت في وضع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945!أيها السوريون!لا يوجد أصدقاء للشعب السوري إلا السوريين أنفسهم. فالكل جاء الى بلادنا لينهش من جسدها ويقتطع حصة له.

فمعركتنا ليست معركة معارضة ضد نظام من اجل السلطة، وليست فقط ضد نظام عائلة الأسد الطائفية بل هي معركة كبيرة ضد مشاريع دولية وإقليمية تهدد وجود سوريا ومستقبلها وتهدف لإبقاء السوريين مكبلين بقيود القمع والتسلط والحرمان من ابسط حقوقهم وحرياتهم.

وعلى كل سوري وطني صادق أن يستعيد الثقة بالسوريين أصحاب القضية وأن يؤسسوا بديل وطني سياسي يقود النضال ويرسم ملامح المستقبل المشرق على كل السوريين.وما ضاع حق وراءه شعب مطالب.

مقالات ذات صلة

USA