• السبت , 27 أبريل 2024

تعليق على المحاكمة واصول الحكم والتقاضي من التجربة الشخصية والتجربة السورية المعاصرة

الدكتور عارف دليلة

استعرت من مكتبة سجن عدرا كتابا اهداه اليها مع مكتبته احد السوريين البارزين السابقين ، وعنوان الكتاب “حقوق الانسان في القوانينن الجزائية ” ، وهو كتاب كبير لمؤلف لبناني محترم ، دكتور واستاذ في القانون وقاض ( وعندما ذكرته في الجلسة الاولى لمحاكمة عدد من رموز ربيع دمشق الواعد المغدور امام “محكمة امن الدولة العليا ” سالني رئيس المحكمة ان اكرر اسم الكتاب والمؤلف ، واخذني الظن الى انهم سيسارعون الى الاطلاع عليه والاستفادة منه ، كما استفدت انا واستمتعت به جدا ، ويغلقون ملف الاعتقال المعيب ، والمحكمة الجارية ، لكن هيهات ! بل اعتقد انهم سرعان ما اخفوا الكتاب من مكتبة السجن بعدما فتحت عيونهم على “خطورته” ! )

. وعندما سلموني القرار الاتهامي الكثير الصفحات الذي “يثبت” انني “اضعفت الشعور القومي وهيبة الامة والدولة ، وحاولت تغيير النظام (الشرعي ، جدا) ودستوره (المصون) بالقوة ، وعملت على معاداة و تقويض النظام الاشتراكي ( جدا ) وحرضت ( انا : عارف دليلة )على الطائفية والحرب الاهلية .. الخ” لم اجد تعليقا غير قولي لهم : ” الا تخشون على سمعتكم ، سلطة ورجال حكم ، لو ان هذه المحكمة كانت علنية ومفتوحة ، كما يفترض ، وحضرها رجال قانون واعلاميون من خارج سورية ، او لو ان هذا القرار الاتهامي والتحقيق الذي استند اليه نشرا في الخارج وقرأ العالم التحقيق الذي جرى معي في الساعات الاولى لاعتقالي في ٩/٩/٢٠٠١، والذي كان كله اسئلة اتهامية حول عبارات وافكار وتحليلات حول فساد وتهافت السياسات والقرارات الاقتصادية التخريبية التي عرضتها في كتاباتي ومقالاتي وندواتي ومحاضراتي العلنية الرسمية على وسائل الاعلام او في الجامعة او على وسائل النشر الرسمية ، او في ندوات المراكز الثقافية ، امام المسؤولين والجمهور ، وشرحي العلمي لها ، (افتراضا مني اني اتحدث مع كائنات عاقلة ورجال دولة وطنيين ) ، ثم قراوا الاتهامات المذيلة بها ، والتي تبدو منفصلة عنها ولا شيء فيها مشترك مع موضوعات التحقيقات وكانها تخص موضوعا او شخصا اخر نقيضا للشخص المعتقل الذي توجه له هذه الاتهامات ( وهي ، في الاصل ، ، كما اسميها ” لصاقة ” معممة ، مستلة من قانون العقوبات العام الذي اصدره زعيم اول انقلاب عسكري في سورية و الوطن العربي حسني الزعيم عام ١٩٤٩ ، الانقلاب المتهم ، بحق ، ( سابقا !) من قبل السلطة اياها بانه كان منظما من قبل مخابرات الدول الاستعمارية المطرودة من سورية مع مخابرات الدولة المستجدة المنشاة في قلب الوطن العربي بقرار من مجلس الامن ، كحالة فريدة من نوعها في التاريخ ، والمسماة “اسرائيل ” !) ، وتلك الصورة التي ستتكون لدى العالم بان سورية ليست دولة طبيعية ، وانما هي كيان مصطنع من خارج هذا العالم ليس في حكومته شخص واحد يفهم بالقانون والقضاء والسياسة او يعرف معاني الكلمات التي يسمعها او يقولها ، وانكم بافعالكم وممارساتكم هذه تكونون اكثر من يحط من قيمة وهيبة وكرامة هذه الدولة وهذا الشعب ؟” .

قرات هذا الكتاب القيم في القانون وحقوق الانسان ، واستندت اليه ، والى اختصاصي ، كاستاذ لعلم ” الاقتصاد السياسي ” ، وكتبت نص الدفاع عن نفسي ، معتقدا انه سيكون هناك محاكمة ، ولو مغلقة ، ومناقشة ، بالحد الادني ، وسيشترك فيها المحامون والراي العام والاعلام ، كالعادة في الدول المتحضرة ، بل حتى تلك الديكتاتورية وربع المتحضرة ، واعطيت هذا الدفاع المكتوب بخط اليد للمحامين المتطوعين المحترمين ، لطباعته وتقديمه للمحكمة ، وهو مافعلوه مشكورين ، واعطوني نسخة عنه ، والذي تأكد لي ان احدا من المعنيين السلطويين او القضائيين لم يضع وقته (الثمين جدا !) ويقرأه ، اللهم الا ليعمل بعكسه ، تماما ! واذ بالسجانين يحضروننا من السجن الى المحكمة اربع مرات ، ويقتصر الحضور في قاعة المحكمة على بعض الاهل ، وعلى المحامين ، المحرومين من الكلام ، الا مرة واحدة ، عندما كرر أحدهم لرئيس المحكمة مطالبتي بسماع اقوالي ( وهو المحامي انور البني ، احد المسؤولين عن تقديم احد ضباط الامن السوريين السابقين ، المهاجر الى المانيا ، الى القضاء الالماني ، والذي استغرقت محاكمته حوالي العامين ، ولم تترك المحكمة هناك شاردة وواردة تخص الاتهامات والدفاعات ضدها الا واخذته بالاعتبار ، لتدخل التاريخ العالمي في قضايا اصول المحاكمات وحقوق الانسان ، ولتنتهي بقرار السجن مدى الحياة !) ، فغمز رئيس المحكمة لأحد “الامنيين” (من “رعاة القانون وحقوق الانسان (!)”) ، من ابطال الكمال الجسماني المفتولي العضلات ، فاقتحم المكان حتى اقترب من المنصة التي يقف امامها المحامي ، الى جانبي ، وهبط بقبضته كجلمود صخر على راس المحامي ، فاوقعه ارضا ( طبعا ، تعظيما لهيبة سورية وسمعتها و و …!) واعانه (رفاقه) على ضرب المحامي وشحطه وجرجرته خارج القاعة ( عقابا عى تجاوزه للخطوط الحمر !) وكأن ذلك من اصول المحاكمات الدستورية ! .

وهذه كانت “المناقشة” الوحيدة خلال اربع جلسات ، بينما لم يجر خلال هذه الجلسات تبادل او مناقشة اي كلمة او فكرة او دفاع ، وفي الجلسة الرابعة ، الاخيرة ، وقف القضاة الثلاثة ، بجلال قدرهم ، ليقرأ رئيس المحكمة الاحكام القراقوشية المستلة من مغلفات ملصقة وصلت له ، من فوق ، دون ان يعرف مافي داخلها الا عندما فتحها ليقرا مضمونها ، وشرع يقرا الاحكام ، وكانت بالتدريج من سنتي سجن ، الى ثلاث ، والى خمس سنوات ، ثم ، اخيرا ، فتح ورقة الحكم الخاصة بي ، وقرا الاستهلال المعظم المعتاد : ” باسم الشعب العربي في سورية .”

فقاطعته وقلت له : قبل ان تكمل ، اسالك هل يحق لك ، قانونا ، ان تقرا حكما على متهم لم تجر اي مناقشة للاتهامات الموجهة له ولا سماع كلمة واحدة منه او من محاميه ؟ فقال :” انتهى الامر ، والان نقرا الحكم” ! وكان الحكم سجنا لعشر سنوات مع الاشغال الشاقة والتجريد من جميع الحقوق ، بما في ذلك ، قطع ابواب الرزق واغتصاب الاملاك الخاصة ( البيت والكتب والمخطوطات الفكرية والبحثية والحاجات الشخصية التي لم استطع اقتناءها الا بعد قضاء ثلثي العمر ، وبعد العمل في الكويت خبيرا اقتصاديا لخمس سنوات !) وكل ذلك عقابا على محتويات التنصت السري (الخارق لكل القوانين والاعراف العالمية) المليء بقصص سرقة سورية ، دولة وشعبا حتى الافلاس والتجويع واغناء العالم الخارجي بهذه المسروقات ، التي لم تلحظها اعين المجرمين المسؤولين عنها ، كما لم تهتز شعرة على رؤوسهم ، على مسح سورية ، دولة وشعبا وتاريخا ، عن الخريطة !واحتفظت بالبحث العلمي ( ٢٥ صفحة) الذي كتبته ، ليس دفاعا عن نفسي ، او نفيا للتهم المتهافتة الموجهة لي ، وانما للتأكيد على حقوق الانسان ومكانتها في القوانين الجزائية ، وقدسيتها ، بالأخص ، في سورية الجديدة القادمة !

مقالات ذات صلة

USA