• الجمعة , 26 أبريل 2024

الوطنية السورية والمسألة القومية في سوريا محمود الحمزة

أعيد نشر مقالتي التي نشرتها منذ 4 اشهر وهي اليوم حيوية ومهمة توضح موقفي من المسألة الكردية:الوطنية السورية والمسألة القومية في سوريامحمود الحمزة21/2/2020أثبتت أحداث السنوات الأخيرة، وخاصة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واستقلال نسبي كبير لاقليم كردستان العراق، تمثل في تشكيل حكومة ورئيس للاقليم، بحماية أمريكية في زمن الحصار الجوي على العراق في عهد صدام حسين، بأن المسألة القومية الكردية في غاية التعقيد وخاصة لأنها مرتبطة بعواطف الناس وآمالهم بالعيش بحرية واستقلالية على خلفية المظلومية التاريخية التي يتناقلها الكرد عبر مئات السنين.وظهرت خلال سنوات الثورة السورية بشكل خاص مفاهيم ومصطلحات لم تستخدم من قبل مثل “مجلس شعب غربي كردستان” و “كردستان سوريا” و “الفيدرالية” و “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” و “روجآفا شمال سوريا” ووحدات الحماية الشعبية و قوات سورية الديمقراطية (قسد) ومجلس سورية الديمقراطية (مسد) وأكثر من 30 منظمة تخص النساء والشباب والثقافة والابحاث والاعلام. كلها اختراعات تابعة لتنظيم واحد اسمه “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يتبع بدوره بدون أدنى شك إلى حزب تركي اسمه “حزب العمال الكردستاني” .هذا من الناحية الشكلية. أما من الناحية الجوهرية فالموضوع القومي في سوريا، الذي تتصدره المسالة الكردية بحكم عدد الكرد ووجود عشرات الملايين من اشقائهم في العراق وايران وتركيا، معقد لاسباب عدة:- الكرد عانوا وما زالو يعانون من الاضطهاد في مناطق تواجدهم وخاصة في ايران وتركيا والعراق مع بعض الخصوصيات مثلا في العراق حيث يتمتع الاقليم بصلاحيات سياسية واقتصادية واسعة.- دور النظام السوري وتلاعبه بالورقة الكردية من خلال الممارسات القومية التمييزية ضد بسطاء الكرد وشرفائهم، بينما تتمتع أغلب الاحزاب الكردية وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي، بعلاقات جيدة مع مؤسسات النظام الأمنية. ولا يخفى على أحد تعامل النظام مع عرب الجزيرة السورية من الأحرار كانوا مضطهدين من السلطات السورية أكثر من بعض قادة الاحزاب الكردية المقربين من السلطة السورية، وحتى ان البعض كانوا يتبوأون مناصب حكومية بالرغم من أنها حالات فردية. فذلك يخص عدد محدود من الشخصيات الكردية السياسية وليس الكرد الذين لا ناقة لهم ولا جمل.- دور اللاعبين الاقليميين مثل تركيا والعراق وايران واسرائيل في التأثير على اطراف مختلفة في الحركة السياسية الكردية (وهذا يحتاج لحديث خاص).- تأثر الحركة الكردية السورية بالتجاذبات والصراعات بين الحزبين الرئيسيين في الاقليم: الحزب الديمقراطي التابع للبرزاني وحزب الاتحاد الوطني التابع للطالباني، حيث تربط الطالباني بالنظام السوري علاقات قديمة عندما كان في ضيافة السلطات السورية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، وكذلك الصراع بين قيادة الاقليم وحزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا، الذي هيمن على الحراك الكردي في سوريا، وقد نجح إلى حد بعيد، من خلال تأثيره المباشر على حزب الاتحاد الديمقراطي ودعمه بالمقاتلين المدربين وبالسلاح وبالتوجيهات السياسية والميدانية.- وهاك اللاعبين الدوليين الذي حاولوا اللعب بالورقة الكردية، وخاصة روسيا وأمريكا وفرنسا وغيرهم. ولكل من هذه الدول تاريخ طويل في التعاطي مع الحركة السياسية الكردية منطلقين من اجنداتهم الخاصة على حساب الشعب الكردي بشكل خاص وشعوب المنطقة بشكل عام.وعند الحديث عن المسألة القومية في سوريا لا يمكننا حصره بالمسألة الكردية، فالسريان-الاشوريين شعب سوريا وبلاد ما بين النهرين منذ الاف السنين، وهناك اقليات قومية اخرى مثل الشركس والتركمان والأرمن والكلدان واليزيديين وغيرهم …. ولذلك من المنطقي أن نتحدث أيضا عن المشهد السوري ككل فهو يخص العرب وهم اغلبية السوريين، والكرد والسريان وبقية الاثنيات السورية.اعتقد ان المشكلة الكبرى التي تساهم في تصعيد المشهد القومي المتوتر في سوريا هو الخلط بين الأحزاب والحركات السياسية الكردية على اختلاف مشاربها، وخاصة تلك التي تحمل السلاح وتهيمن على الأرض (وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي) من جهة، وبين الشعب الكردي والكرد البسطاء الذين يحلمون بالأمان والحرية والعدل والاستقرار في ظل نظام وطني ديمقراطي ودولة علمانية تتعامل مع كل المواطنين السويين دون تمييز على اساس العرق او الدين او المذهب او الجنس من جهة أخرى.جوهر المشكلة القومية في سوريا مرتبط بطبيعة النظام السياسي في سوريا.في فترة الازدهار الديمقراطي في الفترة 1954-1958 نشأ أول حزب كردي ومارس دوره وكان هناك قادة كبار من الكرد السوريين ساهموا في تاريخ سوريا الوطني وكفاحه من اجل الاستقلال، عداك عن مساهمة المثقفين الكرد على مر القرون في اغناء الثقافة والفلسفة والفكر العربي والاسلامي. يكفي أن نقول بأن أول رئيس للمجمع العلمي العربي في دمشق كان الاستاذ والعلامة محمد كرد علي، الذي قال عنه المندوب السامي الفرنسي أن في سوريا رئيسان رئيس الجمهورية ورئيس المجمع العلمي العربي ، الذي كان صارما ووطنيا بامتياز. ولم يتصرف إلا كسوري ابن هذا البلد دون ان يقلل ذلك أو يلغي انتمائه الكردي.ولكن المشكلة بالفعل بدأت مع سيطرة البعث على السلطة في سوريا في آذار 1963 وفرض حالة الطوارئ وقمع الشعب السوري بكافة مكوناته تحت شعارات ثورية وقومية رنانة ومزيفة، واتخاذ اجراءات شوفينية ضد الكرد مثل تثبيت نتائج احصاء 1962 الذي حرم بموجبه مئات الالاف من الكرد من الجنسية وكذلك منع المواطنين الكرد من تعلم لغتهم وعدم الاعتراف بحقوق الكرد الثقافية والاجتماعية والسياسية.وعند الحديث عن المسألة القومية نلاحظ وجود خلط في المفاهيم والمواقف:- هناك بعض الأخوة الكرد وخاصة من النخب والمثقفين والكتاب والاعلاميين والناشطين، يتجنون على ابناء القوميات الاخرى وخاصة العرب ويتهمونم بالشوفينية وحتى بالداعشية وبأنهم مسؤولون عن اضطهاد الكرد، علما أن الأغلبية الواسعة من العرب هي ايضا مضطهدة من قبل النظام ومحرومة من الحقوق الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. واكبر دليل أن النظام الاسدي في فترة الثورة استهدف العرب السنة بالدرجة الأولى، حيث قتل وهجر واعتقل حوالي 15 مليون، منهم أكثر من 95% من العرب السنة. لكن للأمانة،فالكرد عانوا وما زالو يعانون من اضطهاد قومي، ولكنه ليس من قبل الشعب العربي، وإنما من قبل النظام السياسي الاستبدادي الفاسد الذي يتاجر بشعارات القومية والحرية والاشتراكية ويمارس عكسها تماما.- بالطبع المعارضة السورية بشكل عام لم تؤدي دورها المعبر عن أهداف الثورة ، بل كان خطابها غير واضح تماما وغير كامل وغير شفاف حول المسألة القومية ومسألة الأقليات الدينية والطائفية. ويعود هذا الارتباك إلى سبيين اساسيين: أولها متعلق بالنظام الذي فرض معادلة صراع خطيرة وهي العسكرة ودفع باتجاه الأسلمة ، الذي ساهمت فيها قوى اسلامية سورية واقليمية استخدمت الورقة الدينية والقومية وغذت الصراع الديني والطائفي على حساب مصلحة الشعب السوري. والثاني هو الخطاب الكردي الطاغي بين اغلب الكرد الذي لا يهمه إلا القضية الكردية وكأنها قضية منفصلة عن هموم الشعب السوري، الذي يتعرض منذ منذ 9 سنوات لابشع انواع القمع والقتل والتهجير القسري والاعتقال والتدمير والتغيير الديموغرافي، وهذا كله أثر سلباً في خطاب المعارضة هيئات وافرادا تجاه المسألة القومية والطائفية. علماً أن السوريين يتعاملون مع الكرد وغيرهم من ابناء القوميات كأشقاء لهم وانهم جزء أساسي من الشعب السوري، وخاصة على مستوى الناس العاديين البسطاء بعيدا عن السياسة، وهناك علاقات اجتماعية واسعة ومصاهرات وتمازج ثقافي وفلكلوري واجتماعي كبير.- وقد أشار بحق الكاتب الكردي السوري حسين جلبي ، حينما سمى كتابه ” روجآفا- خديعة الاسد الكبرى”. بالفعل هي خديعة كبرى جديدة للشعب الكردي وهذه المرة يقودها وينفذها حزب الاتحاد الديمقراطي بممارساته المعادية للثورة ولقضية الشعب السوري بعربه وكرده وسريانه، ويتضمن الكتاب الذي يقع في حوالي 500 صفحة، تفاصيل عن بعض عمليات الخطف والاخفاء القسري التي تعرض لها الكرد وغيرهم . وكذلك عمليات القتل والقتل تحت التعذيب في سجون حزب الاتحاد الديمقراطي. وكذلك كشف جلبي أساليب الاتحاد الديمقراطي الخبيثة في التلاعب باستخدام المصطلحات القومية، التي خدعت العديد من الكرد والتي خدمت نظام الاسد المجرم بامتياز.- ونذكّر بموقف زعيم حزب العمال الكردستاني: يقول عبدالله اوجلان في حوار طويل مع الصحافي نبيل ملحم نشرفي كتاب “سبعة ايام مع آبو ” : إن اقليم كردستان يشكل خنجرا في خاصرة الامة العربية ومن جهة اخرى شارك الحزب النظام السوري إنكار وجود كرد في سوريا على الرغم من انهم كانوا وقودا لحربه ووصل الامر باوجلان إلى حد القول: سأجرى دراسات اكتشف من خلالها بأنه لا وجود لشيء اسمه كردستان سوريا وبأن كردها قادمون من تركيا وبأنه سيعمل على تهجيرهم واعادتهم اليها ثانية في المستقبل”. وأطلق الكاتب الكردي السوري المعروف سليم بركات تسمية “حزب البعث الكردستاني” على حزب الاتحاد الديمقراطي.ولكن ما العمل؟- صحيح أن سوريا على المستوى الاجتماعي والقومي والثقافي والديني والطائفي شهدت مآسي وكوارث ليس من السهل التخلص من آثارها من نعرة طائفية وقومية ودينية ولكن الشعب السوري مارس التعايش السلمي بين كافة مكوناته وهو قادر اليوم على لملمة جراحه والعودة للحياة الطبيعية بدون استبداد وتمييز بين الناس.- ارى أن الهوية الوطنية السورية المقترنة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسية هي الفكرة الوحيدة التي تشكل عاملا مشتركا يجمع كل السوريين بكافة انتماءاتهم القومية والدينية وهي الغطاء السليم لبناء دولة سورية علمانية بعيدة عن الصبغات القومية او الدينية، دولة مواطنة لكل السوريين تعترف بحقوق الناس افرادا وجماعات بحيث يعيش كل سوري في هذا الوطن بحرية وكرامة مع الحفاظ على وحدة اراضي سوريا وشعبها تجنباً لمشاكل نحن جميعا بغنى عنها وخاصة من قبل اصحاب الأجندات السياسية غير الوطنية وغير الشعبية.- وأخيراً لابد من ترسيخ قيم الاعتراف بالآخر، والتسليم بأنه لا يوجد شعب افضل من شعب ولا دين افضل من دين. يجب ان نعترف بحرية الانتماء والتفكير والعقيدة لكي يتساوى الجميع أمام القانون.

مقالات ذات صلة

USA