• السبت , 27 أبريل 2024

الرابحون والخاسرون في “غزوة” غويران

عدنان علي

موقع تلفزيون سوريا:1/2/2022

شن تنظيم الدولة “داعش” في الثلث الأخير من الشهر الأول هذا العام، هجوما هو الأوسع منذ إعلان القضاء عليه قبل سنوات، استهدف سجن “الصناعة” في حي غويران بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، وهو ما يرشح التنظيم لمواصلة لعب دوره الوظيفي في خدمة أجندات مختلف الجهات والأطراف المحلية والإقليمية والدولية، والتي دأبت على محاولة استثمار وجوده، ومحاولة توجيهه، لتحقيق مصالحها، أو تعطيل مصالح خصومها.

وبعيدا عن أعداد من سقطوا قتلى وجرحى ومن فر ومن اعتقل، وبعيدا عن الأخبار الساخنة التي ضجت بها وسائل الإعلام على امتداد العالم كله، ومن نزحوا من بيوتهم وناموا في العراء أو في صالات الأفراح والمساجد، ومن تهدمت منازلهم على رؤوسهم، حيث هذا ليس في حسابات الأطراف المتصارعة ويدخل في باب الأضرار الهامشية، فهناك ولا شك أهداف أخرى متضاربة، لكل طرف في هذه المعادلة المعقدة والمركبة.وإذا حاولنا تسليط الضوء على مكتسبات اللاعبين المحليين نجد أن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والقوى الأمنية التابعة لها، حققت بعض المكاسب لجهة التمديد لدورها ووظيفتها المفترضة في تلك المنطقة في محاربة تنظيم داعش، حيث عامل الوقت مهم جدا في الصراعات الطويلة الأمد، فبعد الاستقرار النسبي والتقسيم الجغرافي للقوى المسيطرة على المساحة الجغرافية السورية بين أربع قوى رئيسية، وهي النظام مع داعميه الدوليين، ومناطق سيطرة قسد، ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، ثمة صعوبة في إحداث أي تغيير عسكري جديد بهدف توسع طرف على حساب أي طرف آخر، وهو ما عبر عنه أكثر من مسؤول دولي مؤخرا، بقولهم إن هناك توافقا روسيا- أميركيا على أن زمن المعارك الكبيرة، وتغيير مناطق السيطرة، قد ولى، وستظل خريطة السيطرة الحالية على حالها إلى حين التوصل إلى حل سياسي.

وهذا الاستقرار يفرض على الأرض استحقاقات، مثل إدارة هذه المناطق وإدارة الشؤون المدنية وتقديم الخدمات، وهو ما أخفقت فيه قسد، على غرار الأطراف الأخرى، الأمر الذي أثار ضدها احتجاجات شعبية، بمشاركة كل الشرائح المحلية، بمن فيهم المواطنون الكرد، وهذه التطورات الأخيرة ستمكنها من إعادة إحكام قبضتها الأمنية على المنطقة، والاستمرار بسياسة التجنيد الإلزامي، بحجة محاربة داعش.

كما حظيت “قسد” بتجديد الدعم لها من جانب المجتمع الدولي، وقوات التحالف بوصفها رأس حربة في محاربة التنظيم، مع تأكيد واشنطن على بقاء قواتها في المنطقة، وربما بزخم أكبر بعد تكهنات بقرب انسحابها.

كما شكلت هذه التطورات رسالة للنظام السوري الذي أدرك مدى قوة دعم التحالف لقسد وأن أي محاولة من جانبه للتعرض لها سوف تعني الاحتكاك المباشر مع قوات التحالف. وكذلك الأمر بالنسبة لفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بل وتركيا نفسها.

أضف إلى ذلك، وانطلاقا من مقولة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” ستتمكن “قسد” من فرض شروطها على الأصوات الكردية المعارضة، وخاصة “المجلس الوطني الكردي” الذي يطالبها بالشراكة الكاملة في إدارة شؤون تلك المنطقة.

من جهته، حاول نظام الأسد اللعب على هامش التطورات ونتائجها، وتقديم صورة عن نفسه وقوته في مسائل الحسم العسكري والتعامل مع مسائل مشابهة وإظهار عجز قسد وداعميها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، بل وطلبت بعض وسائل إعلامه بتسليم سجناء داعش للنظام الأقدر على التعامل معهم، وفق تلك الوسائل. كما سعى النظام على مدار أيام الاشتباكات إلى إظهار اهتمامه بالنازحين والمدنيين، لكنه أخفق في ذلك بسبب الفساد المستشري في مؤسساته، حيث لم يتمكن من الاستمرار في تقديم نفسه كحامٍ للنازحين، فقام عبر المحافظ ومسؤوليه الآخرين بطرد النازحين واتهمهم بتعريض المدنيين للخطر وسرقة المعونات.

أما الحليف الروسي، فقد حاول الاستفادة بشكل أكبر ونقل المسألة إلى أروقة مجلس الأمن واتهم الأميركيين بالتواطؤ مع داعش وسرقة موارد البلاد.وبطبيعة الحال، كشفت هذه الأحداث عن العديد من عورات قسد، وأهمها الخرق الأمني الذي مكّن داعش من الوصول إلى قلب سجن يفترض أنه محصن ويضم أخطر المطلوبين في العالم.

كما سلط الضوء على متاجرة قسد بقضية هؤلاء، وعدم القيام طوال الفترة الماضية بأية حلول أو إجراءات لتخفيف الازدحام في هذا السجن من خلال فرض أحكام على هؤلاء، وخاصة السوريين منهم، ومعالجة قضاياهم وفق القوانين السورية، وقوانين “الإدارة الذاتية” من أجل تقليل عدد المعتقلين لديها والتخلص من الاكتظاظ، إضافة إلى الكشف عن وجود مئات الأطفال (أشبال الخلافة) الذين يسجنون مع البالغين من عناصر داعش.

كما أظهرت التطورات ارتباك قسد طوال فترة الاشتباكات، ما جعل بياناتها متضاربة وغير شفافة.وبالنسبة لتنظيم داعش نفسه، فقد غامر بهذه الغزوة التي لا تبدو أنها محسوبة جيدا على أمل إطلاق سراح قادة كبار من التنظيم، وآخرين متمرسين في المعارك، على أمل أن يسهم ذلك في إعادة بعث التنظيم من جديد بزخم أكبر، ومن غير المعروف مدى نجاحه في تحقيق ذلك، حيث لا يعرف تحديدا عدد الذين تمكنوا من الفرار والوصول إلى مناطق آمنة، وعدد من قتلوا أو بقوا في السجن.

مقالات ذات صلة

USA