• الجمعة , 29 مارس 2024

لماذا اعتمد نظام الأسد “الإخفاء القسري” استراتيجية لقمع معارضيه؟

إسطنبول ـ ياسر العيسى

موقع تلفزيون سوريا:29/9/2022

سوريات أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف يحملن صور ذويهن المختفين قسرا لدى النظام ـ عائلات من أجل الحرية

منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 ضد نظام الأسد، نالت أخبار المختفين قسرياً حيزاً مهماً من اهتمامات السوريين، لاعتماد النظام على هذا الأسلوب بشكل كبير، خاصة في سنوات الثورة الأولى.

جريمة “الاختفاء القسري”، من الظواهر المرتبطة سابقاً بالأنظمة الديكتاتورية، لكنها اليوم أصبحت من المشكلات العالمية، ولم تعد حكراً على منطقة بعينها وفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة، وبسبب ذلك، عمدت إلى تخصيص “يوم دولي” للاختفاء القسري، وحددته في الـ30 من آب من كل عام، للفت الانتباه إلى مصير الأفراد المعتقلين في أماكن مختلفة من العالم، ويجهل ذووهم أو ممثلوهم القانونيون كل شيء عنهم.

وسبب تحديد هذا اليوم، كان استجابة لمبادرة أطلقها “اتحاد روابط أقرباء المعتقلين المختفين قسرياً في أميركا اللاتينية”، وهي جهة غير حكومية تأسست في كوستاريكا عام 1981، حيث شهدت دول أميركا اللاتينية منذ خمسينيات القرن الماضي، موجة كبيرة من عمليات الاختفاء القسري للمعارضين السياسيين.

ولعل جريمة “الاختفاء القسري”، من الانتهاكات التي دأبت المنظمات الحقوقية على توثيق ضحاياها، مطالبة بالكشف عن مصيرهم، ولكن قلما وجدنا من يسلط الضوء على أسباب استخدام الديكتاتوريين “الاختفاء القسري”، استراتيجية ومنهجاً، رغم أنه لا رادع لديهم في الإعلان عن مصيرهم سواء كانوا أحياء أم أموات، وتلفيق التهم نحوهم، مقارنة بالأصناف الأخرى للجرائم المرتكبة من قبلهم.

لكن يبدو أن لإخفاء المعلومات، أسبابا ومصالح، تستدعي البحث والتمحيص، خاصة أنها لم تعد حكراً على هؤلاء فقط – الأنظمة الديكتاتورية – بل أصبحت نهجاً يتبعه كثيرون، لتطول اليوم وفق الأمم المتحدة نحو 85 بلداً حول العالم.

وتؤكد المنظمة في تقرير صادر عنها حول هذه الظاهرة، أن ما يثير القلق بوجه خاص، هو “استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري”، مشيرة في الوقت ذاته إلى “استغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها”، تزامناَ مع استمرار إفلات مرتكبي أعمال “الاختفاء القسري” من العقاب “على نطاق واسع”.

جريمة ضد الإنسانية

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 1992، تعريفاً للاختفاء القسري، ذكرت فيه، أنه يعني ‘”القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم، أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة، أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين، أو عن أماكن وجودهم، أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.كما نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1 تموز 2002)، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، على وصف “الاختفاء القسري” بـ”بجريمة ضد الإنسانية”، عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم، وتملك أسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.

ماذا عن الاختفاء القسري سوريا؟بعيداً عن لغة الأرقام والإحصاءات، والبيانات المطالبة بالكشف عن مصير “المفقودين قسرا” في سوريا، نال هذا الملف مؤخراً، اهتماماً دولياً، تمثل هذه المرة في مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية آب الفائت، باتخاذ خطوة عملية، وتأسيس آلية دولية جديدة مستقلة، تختص بفحص الملفات الفردية للمختفين قسرياً، ومحاولة معرفة مصيرهم، أو الكشف عن رفاتهم البشرية، وتقديم الدعم اللازم لأسرهم.وحذر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الخميس الماضي 22 أيلول، من استمرار انتهاكات نظام الأسد بحق السوريين، داعياً إلى إنشاء آلية مستقلة خاصة بملف المعتقلين والمفقودين في سوريا، بناء على توصية تقدمت بها لجنة التحقيق الخاصة بسوريا.

وفي هذا الإطار، قال رئيس اللجنة “باولو بنيرو”، إنه “من أكبر مآسي الحرب السورية، المصير المجهول لعشرات الآلاف من المفقودين أو المختفين قسرياً، والمعاناة التي تحملها أسرهم”.وشدد “بنيرو”، على وجوب إنشاء هذه الهيئة التي “تركز بشدة على الضحايا والناجين وتشمل العائلات، في أقرب وقت ممكن، ويجب أن تركز على توضيح مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين”.

من جانبها، تشير الأرقام الأخيرة للشبكة السورية لحقوق الإنسان، حول المختفين قسرياً، إلى أن ضحايا “الاختفاء القسري” في سوريا بازدياد مستمر، وهناك قرابة 111 ألف مواطن مختفٍ قسرياً منذ آذار 2011، بينهم 3041 طفلاً و 6642 امرأة.

وذكرت الشبكة، أن نظام الأسد، عبر الجيش والأمن والميليشيات المحلية والميليشيات الشيعية الأجنبية، يتورّط في أكثر من 85 في المئة من هذه الحالات.لماذا يمارس النظام السوري الإخفاء القسري؟استخدام نظام الأسد منذ استيلائه على الحكم منذ ما يزيد على 5 عقود، سياسة “الاختفاء القسري” منهجاً وتكتيكاً، وإن بدرجات متفاوتة، قبل أن يتخذه استراتيجية منذ 2011.

وترى الأمم المتحدة، بأنه “كثيراً ما استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضاً مجموعاتهم السكانية المحلية، ومجتمعهم ككل”.

بث الرعب، قد يكون إذاً من أحد أهداف الأسد ونظامه في استخدام هذا النطاق، ناهيك عن ابتزاز بعض المنظمات الدولية العاملة في المجال الحقوقي، عبر مقايضتها بإيقاف أو تأجيل نشر هذه التقارير، أو تخفيف حدتها، مقابل الكشف عن معلومات حول عاملين لديها في هذا البلد تعتقلهم السلطات، أو إطلاق سراحهم.

صحيفة “واشنطن بوست” وفي مقال نشرته في وقت سابق بقلم “جيسون شيدمان”، حاولت الإجابة عن أسباب استخدام الاختفاء القسري في سوريا ومصر وتزايد استخدامهم، مؤكدة بداية أن “الاختفاء القسري” قد يتم لإخفاء المعارضين، وربما يبدو وسيلة فعالة لسحق أي تهديد يحيط بنظام الحكم، الذي قد يلجأ إلى هذه الحيلة لإخفاء قمعه.

وأشار كاتب المقال، إلى أنه أجرى بحثاً حول الدول التي تستخدم “الإخفاء القسري”، وقارن بينها وبين الدول التي تستخدم أشكالًا أخرى من القمع، فوجد أنها تستخدم هذا الأسلوب عندما تفشل في فهم طبيعة المعارضة التي تواجهها.

واستنتج أنّ أنظمة الحكم تلجأ إلى “الاختفاء القسري”، لأسباب عدة، من بينها أنها “عندما تتأكد من ضعف القاعدة الشعبية للمعارضة، ويصبح من الصعب معرفة من يدعم أو قد ينضم إلى المعارضة”، لذلك تعمد إلى تفتيتها، و”التغييب القسري”، أحد هذه الأدوات.

كما أنّ من الأهداف الأخرى المتوقعة، بحسب “شيدمان”، هو سحب الدعم من المعارضة وترهيب المجتمع، ولذلك تلجأ بعض الدول إلى الاختفاء القسري، في سبيل قمع المعارضين، وإجبار عائلاتهم على الانصياع، وقطع كل السبل لتحريره أو معرفة أخبار عنه إلا بالانصياع”.

وفي سبيل ذلك، يرى بأن الدول القمعية تعمل على تطبيق مبدأ “الإخفاء القسري” لقمع المعارضين، وتسعى الدول إلى إخفاء المواطنين، لإجبار عائلاتهم ومعارفهم على الانصياع لمطالبهم.

ولضمان وجود نفوذ لها عبر اعتقال الضحية، وقطع كل السبل لتحريره، باستثناء الانصياع.وكتب في هذا المجال: “يظل الخوف مسيطراً على عائلة الضحية، وتتحاشى الانخراط في السياسة، وتبقى خائفة طالما أنّ مصيره مجهول”.

الإخفاء القسري لإخضاع المجتمع

وفي هذا الإطار، يُشير المحامي والحقوقي السوري، محمد صبرا، إلى أن “الأنظمة الشمولية المتوحشة تعتمد على مجموعة من الأدوات السلطوية لإخضاع المجتمع، وإجباره على الطاعة والامتثالية”.

وأضاف في حديث لموقع “تلفزيون سوريا”، أن هذه الأنظمة تسعى لبناء ما سماه فاسلاف هافل الرئيس التشيكي الأسبق بـ”المبدأ الشمولي – الذاتي الاجتماعي”، أي “تحقيق درجة عالية من الطاعة في المجتمع من دون الحاجة لتدخل مستمر من الأجهزة السلطوية”.

وشبه الحقوقي الذي عمل مستشاراً قانونياً لدى الحكومة السورية المؤقتة، الإخفاء القسري بـ”إحالة احتجاز الرهائن”، لأن النظام هنا يقوم باحتجاز رهائن على نطاق واسع، بحيث تتحول عائلاتهم إلى كتلة ساكنة همها الوحيد هو خروج ابنها من غياهب الزنازين”.وتابع: “هنا تدخل العائلات التي لديها مغيبون في طور السكون المطلق والحياد المجتمعي عن القضايا الوطنية، لأنها تخشى من أن يقوم النظام بتصفية ابنها في حال انخراطها في الفعل العام، وهذا الأمل بخروج المعتقل الممزوج بالخوف المستمر على مصيره وحياته هو الذي يستثمره النظام لإبقاء أكبر شريحة عددية ممكنة من المجتمع في طور السكون السلبي، ولذلك يتوسع النظام في سياسة الإخفاء القسري”.

واستدرك: “الحقيقة يجب أن نسميها سياسة احتجاز الرهائن، لأن المغيبين في معتقلات النظام هم رهائن، يضمن وجودهم عدم تحرك عائلاتهم ومحيطهم اللصيق ضد النظام وأجهزته السلطوية”.

ويشدد صبرا، على أن “الديكتاتور لا يطمئن إلا إذا شعر بأن المجتمع بات معلباً ضمن نمط واحد، وهو الخضوع التام لكل إملاءات من دون أي تفكير أو نقاش، وهو لا يسعى لتحقيق هذا الخضوع عبر الاقتناع، بل إنه يسعى لخلقه عبر الخوف وعبر مجموعة من التصورات الذهنية التي يجب أن تمر على بال الفرد كنتيجة لتمرده على هذه الإملاءات، أو محاولته مناقشتها أو الخروج عليها”. على حد وصفه.

وختم الحقوقي السوري، رأيه حول قضية “الاختفاء القسري”، بالتنويه إلى أنها “أحد أكثر الأدوات التي استخدمها النظام لإخضاع المجتمع، فالقتل والتصفية مثلاً على نطاق واسع قد يخلق رد فعل كبير وعنيف من قبل المجتمع، لكن الاعتقال والإخفاء القسري مزيج من الخوف والأمل، وهذا المزيج يتكفل عادة بتحييد عائلات وأقارب المعتقلين من الدرجة الأولى والثانية عن الانخراط في السياسة، أو مناقشة الوضع العام، فضلاً عن أن الإخفاء القسري ساهم إلى حد كبير بتغييب قوى نشطة وفاعلة في مجتمعاتها المحلية”. حسب رأيه.

مقالات ذات صلة

USA