• الإثنين , 2 ديسمبر 2024

د.محمد حاج بكري: يا حيف

أعلنت دولة الإمارات في 27 من كانون الأول 2018 عودة العمل بسفارتها في دمشق.

وصرحت وزارة الخارجية الإماراتية عن إعادة العلاقة بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي لتعزيز الدور العربي في سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن السوري والمقصود هنا إيران وتركيا.

تقلبت المواقف الإماراتية منذ اندلاع الثورة تجاه الأسد على لسان مسؤوليها، فقد قال وزير خارجية الإمارات، عبد لله بن زايد ال نهيان، في 25 من آب 2013، إن بلاده ستواصل دعم السوريين وتطلعاتهم المشروعة، وفي 13 من كانون الثاني 2014، قال نائب الرئيس ورئيس الوزراء الشيخ، محمد بن راشد آل مكتوم، إنه لا يمكن أن يكون هناك حل طويل الأمد في سوريا، وتنبأ أن الأسد سيسقط في نهاية المطاف.

الموقف الإماراتي الجديد مع البحرين ودول عربية أخرى لا يخرج عن العباءة السعودية، وخاصة في ظل توافق هذه الدول في حرب اليمن وحصار قطر، ويبدو أنها تفضل إعادة العلاقة مع الأسد ضمن إعادة تشكيل المنطقة، في مواجهة تركيا.

لا يمكن النظر إلى إيران من خلال مقارنتها بتركيا، فقد احتلت سوريا لأهداف أضحت معروفة للجميع، وخاصة تدخلاتها في الدول العربية، التي كتب عنها الكثير من المحللين والسياسيين في العراق والبحرين واليمن وسوريا.

ولو لم تقف مع نظام الأسد هي وروسيا لكانت سوريا منذ زمن تنعم بالأمن والأمان والاستقرار، وحتى هذا اليوم لا يزال السوريون يملكون من القوة والبأس ما يمكنهم من هزيمة إيران في سوريا، لكن التدخلات الدولية والمواقف المتخاذلة لمعظم الدول العربية تقف عائقًا في وجه انتصارهم.

الإيرانيون واضحون في مشروعهم السياسي وأهدافهم الاستراتيجية في المنطقة العربية وتحديدًا في سوريا، وبالنظر إلى مدى العلاقة الوثيقة والحميمية التي تربط طهران بدمشق وفعالية الدور العسكري والأمني الإيراني الذي أسهم في العديد من المعارك والمواجهات التي خاضتها القوات السورية مع تشكيلات ومقاتلي المعارضة السورية في جميع المدن، فإن إقناع الإيرانيين بالانسحاب ليس بالسهولة التي يسعى لها الآخرون. بل ستعمل الأدوات الإيرانية على محاولة البقاء بقواتها وتشكيلاتها الميليشياوية، وخاصة بعد تغلغلها في المجتمع السوري بجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ونشر التشيع، رغم التأكيد الأمريكي بضرورة عدم بقاء أي وجود إيراني على الساحة السورية، والتهديد الذي أصدرته الدوائر العسكرية والاستخبارية الصهيونية بزيادة فعالية المواجهة مع إيران والتصدي لها وضرب مواقعها ومقراتها في العمق السوري بعد الانسحاب الأمريكي.

لم ينظر الشعب السوري إلى تركيا في أي يوم خلال محنته على أنها قوات احتلال بل العكس تمامًا فأغلبية الشعب السوري سواء الموجود في تركيا، والذي يناهز عدده أربعة ملايين، أو إدلب ومحيطها والبالغ قرابة خمسة ملايين، يجد أن الوجود العسكري التركي لا يحمل أي مشروع سوى حفظ الأمن والأمان ومنع تقسيم سوريا على يد انفصاليين ممثلين بـ “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي، وحماية للأمن القومي التركي.

يهدف الوجود التركي في سوريا إلى التصدي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يصنفها الأتراك على أنها  الجناح العسكري لـ “حزب العمال الكردستاني” (التركي)، الذي يهدد الوضع الداخلي الأمني في عديد من المدن التركية ويعرض الأمن القومي التركي للخطر، وخشية من الانفلات الأمني الذي قد يحدث على الشريط الحدودي التركي- السوري، الذي تسعى الحكومة التركية الى تأمينه والحفاظ عليه ومنع أي وجود مسلح كردي قريبًا منه، أو أي دعوة لإنشاء كيان كردي سوري مستقل يؤدي إلى تصعيد حالة التوتر داخل الأراضي التركية، وللحقيقة فإن الثورة السورية لها مصلحة كبيرة بوقف المد الانفصالي لـ “حزب العمال” للحفاظ على وحدة سوريا وأراضيها.

لا أريد أن أسرد طويلًا في المواقف العربية منذ اندلاع الثورة، فرغم المساعدات التي قدمت إلا أن هدفها للقارئ السياسي كان واضحًا منذ البداية وهو عدم قيام جيش وطني حقيقي وإقصاء الضباط وتهميشهم مع الشخصيات الوطنية الحقيقية، بغية عدم وجود قرار وطني مستقل للثورة من خلال توجيه الدعم واشتراطه عدم الكفاءة والاختصاص والمهنية، حتى تعم الفوضى وتتحول الثورة إلى فصائل متناحرة تابعة وغير مستقلة في قرارها وحتى وجودها.

وبالمقابل تم استغلال بشار الأسد استغلالًا أمثل، فلن يوجد على ظهر الأرض رئيس قادر على قتل شعبه وإبادته بوحشية يمكن أن يشبهه، وبقيت إدارة الثورة هي الأهم بالنسبة للجميع، لمنع انتصار أي من الطرفين، والهدف الأساسي وأد الربيع العربي قبل أن تمتد نيرانه إلى الخليج والأنظمة الملكية.

إنها قصة طويلة كان ضحيتها الشعب السوري على يد العرب قبل غيرهم، الشعب الذي قدم للأمة العربية الإسلامية حتى في ثورته ما عجزوا عنه، فلا أحد ينكر على السوريين أنهم هزموا إيران وميليشياتها في سوريا وأوقفوا المد الشيعي في العالم الإسلامي بعد أن أظهروه على حقيقته المجردة، وفضحوا قضية الممانعة والمقاومة وعلاقة إيران بالإرهاب، وخاصة داعش.

الشعب السوري اختبر عبر مسيرته الثورية الوطنية كل أصناف الجرائم والحروب والسياسات والإجراءات العدوانية ومخالب الغدر وقدم مئات الالاف من الشهداء والمصابين والأسرى وتحمل التشرد والمعاناة اليومية والحياتية، والتي لم تكسر كلها إرادته ولا دفعته للتفريط بحقوقه الوطنية ومطالبته في الحرية، وواهم من يعتقد أن المزيد من المعاناة والسياسات يمكنها أن تفرض إعادة تأهيل الأسد ونظامه الإجرامي.

نقولها للعرب جميعًا يا حيف!

 

مقالات ذات صلة

USA