• الثلاثاء , 15 أكتوبر 2024

د.فيصل القاسم: لا أحد يربي كلباً كي يقتله

“ناموا ولا تستيقظـوا” قصيدة الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي الذي عاش بين عامي  1875 -1945. طبعاً لم يؤلف القصيدة لتثبيط الهمم، بل ليحرض الشعب على الثورة بإيضاح الوسائل الحقيرة التي كان يستخدمها المستعمر وأعوانه الداخليون لإخضاع الشعب. وضع الرصافي قصيدته  قبل حوالي مائة عام. لكنها تنطبق على حالنا اليوم مائة بالمائة، خاصة على ضوء المؤامرات التي تعرضت لها الثورات العربية من القاصي والداني كي يبقى العرب نائمين إلى ما شاء الله. اقرأوها وقارنوا المواعظ التحريضية التي ساقها الشاعر بما يجري في بلادنا الآن، فستجدون أن القصيدة التي يزيد عمرها عن قرن من الزمان تبدو وكأن الشاعر كتبها اليوم صباحاً. تعالوا نقرأها اولاً قبل أن نقارنها بوضعنا الحالي، لعلنا نقلب ما جاء في القصيدة رأساً على عقب:
يا قـوم لا تتكلَّـموا إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ
وتأخَّروا عن كلِّ مـا يَقضي بـأن تتقدَّموا
ودَعُـوا التفهُّم جانبـاً فالخير ألاَّ تَفهـمـوا
وتَثبتُّوا في جـهـلكم فالشرُّ أن تتعلَّــموا
أما السياسة فاتـركوا أبـداً وإلاَّ تندمـوا
إن السياسـة سـرُّها لو تعلمون مُطـلسَمُ
وإذا أفَضْتم في المبـاح من الحديث فجَمْجِموا
والعَدلَ لا تتوسَّمــوا والظلمَ لا تتجَّهـموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهــو مُكرَّمُ
فليمُس لا سـمـع ولا بصر لديه ولا فــمُ
لا يستحـق كرامــة إلا الأصم الأبكــمُ
ودع السعـادة إنمــا هي في الحياة توهُّــمُ
فالعيش وهـو مـنعٌّـم كالعيش وهو مذمّـمُ
فارضوا بحكم الدهــر مهـما كان فيه تحكُّمُ
وإذا ظُلمتم فاضحكـوا طربـاً ولا تتظلَّمـوا
وإذا أُهـنـتم فاشكروا وإذا لُطمتم فابسـموا
إن قيـل هـذا شهدُكم مرٌّ فقـولوا علقــمُ
أو قيـل إن نهـاركـم ليـل فقولـوا مظلـمُ
أو قـيـل إن ثِمـادكم سيـل فقـولوا مُفعمُ
أو قيل إن بلادكـــم يا قوم سـوف تقسَّمُ
فتـحمّـدوا وتشكـّروا وترنّحـــــوا وتـرنّمـــــوا.

لا شك أن البعض سيتهمنا، وسيتهم الشاعر بأننا نلقي دائماً إخفاقاتنا وفشلنا على الآخرين. ولا شك أننا المسؤولون أولاً وأخيراً عن اوضاعنا، لكن هذا لا يبرئ أبداً القوى التي تكالبت على الثورات العربية من الأقربين والأبعدين. ولو أخذنا الثورة السورية مثالاً، لوجدنا أن دول الإقليم والدول العربية والدول الكبرى، بالإضافة إلى عميلها ذيل الكلب في دمشق طبعاً، كلها ليس لها مصلحة في نجاح الثورة، لأن نجاحها سيكون وبالاً على كل تلك الدول العربية والإقليمية والكبرى في آن معاً، لهذا قلبوا عاليها سافلها كي تكون عبرة لأي شعب عربي يفكر بالخروج عن بيت الطاعة. 
إن الموقع الجغرافي لسوريا لا يسمح لها إلا أن تكون تحت نظام فاشي ديكتاتوري بمباركة غربية وإقليمية وعربية. تصوروا لو أن الثورة السورية نجحت. ماذا كان سيحصل في إسرائيل وإيران والدول العربية، وخاصة مصر؟ هل ستقبل أمريكا وروسيا وضباع العالم الآخرون بأن تبدأ شعوب المنطقة التي يحتلونها عن بعد بالإمساك بزمام أمورها وثرواتها؟ بالطبع لا. إسرائيل لن تقبل بأن يكون جارها بلداً ديمقراطياً حراً، لأن أول شيء سيفكر فيه بعد أن يتحرر من ربقة الديكتاتورية أن يحرر أرضه المحتلة، وأن يبدأ بمنافسة إسرائيل ديمقراطياً وتكنولوجياً وثقافياً. وهو ممنوع منعاً باتاً. لهذا تؤثر إسرائيل وأمريكا والغرب عموماً أن يبقى السوريون أذلاء تحت الحذاء العسكري الطائفي، وأن  لا يفكروا لا بنهضة ديمقراطية أو تكنولوجية أو سياسية. لهذا قلنا ونكرر أن نحن السوريين مشكلتنا الأساسية ليست بشار الاسد ونظامه، بل مشكلتنا فيمن يستخدم بشار الاسد ونظامه لتركيع السوريين وإخضاعهم ومنع نهوضهم. صدقوني: النظام السوري مجرد كلب صيد يقوم فقط بمهمة نيابة عن مشغليه في الخارج. وفي نهاية النهار فهو عبد مأمور من القوى التي تشغله لصالحها. لهذا فعل الأفاعيل بالسوريين دون أي عقاب، لأن الصياد لا يمكن أن يعاقب كلب الصيد إذا مزق الفريسة إرباً إرباً، بل يمكن أن يكافأه على اصطياد الفريسة بطريقة وحشية. لاحظوا الآن أن كفلاء بشار الأسد في الخارج يريدون الحفاظ على جيشه ومخابراته بعد كل جرائمها بحق السوريين. وهذا يؤكد نظرية العلاقة بين الصياد وكلب الصيد. لا أحد يربي كلباً كي يقتله. لكن خروج السوريين من تحت الرماد في الذكرى الخامسة للثورة أذهل العالم وكل من تآمر على الشعب السوري الذي ظهر كطائر العنقاء بعد كل هذا الدمار والدماء ليقول لمعروف الرصافي وللعالم الحقير: لن ننام، فما فاز إلا المستيقظون، وليس النوّمُ. 

مقالات ذات صلة

USA