• السبت , 20 أبريل 2024

د. عماد الدين الرشيد لـ ”نداء بوست“: حضور القوميات والأديان والطوائف لا يتعارض مع وحدة سورية

نداء بوست“ – حوارات – حاوره أسامة آغي

مسائل كثيرة تعترض حياتنا قبل الثورة وبعدها، مسائل تتعلق ببنيتا الاجتماعية والأخلاقية وبوضع ومكانة المرأة في مجتمعنا، هذه المسائل تلعب أدواراً مختلفة في منع تحقيق أهدافنا بنظام سياسي، يحترم العقل البشري والحريات ويلغي التفاوت في الوعي والحياة والحقوق.نداء بوست حمل أسئلته إلى عماد الدين الرشيد الذي شغل من قبل منصب نائب عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، ويشغل الآن منصب رئيس أكاديمية باشاك شهير التركية، ورئيس تنفيذي لمركز الاستشراف للدراسات والبحوث، أسئلة تتعلق بالشأن الفكري الإسلامي، والسياسي السوري، بما فيها حول كتابه السيرة النبوية لتلامذة الصف الأول، والذي صنع ضجة كبرى لدى السوريين.

القيادة قصّة تراتبية

الوعي ما قبل الوطني (القبائلي والطائفي والديني) يلعب دوراً معيقاَ في تشكيل القيادات السياسية، لذلك سألنا الدكتور عماد الدين الرشيد عن جذر هذه الإعاقة، فقال: “لا شك هناك عناصر معيقة تحول دون الوصول إلى رؤية مشتركة في صناعة قيادة”.لكن الرشيد يضيف: “ما أودّ التركيز عليه تماماً هو أن قضية القيادة قضية تراتبية، الإحساس بالمماثلة فيما يتعلق حتى بالجانب الإداري في القيادة، فهو إشكال كبير، وهو لا يربي قيادة وإنما يربي أنداداً، ولا شك أن الناس أنداد بعضهم بعضاً في الطاقات والقدرات، لكن عندما نتكلم عن القيادة (آمر ومأمور)، فإننا نتكلم عن مستويين من العمل، صانع سياسة وصانع قرار، ومنفّذ قرار، وبالتالي لا بدّ من هذه التراتبية”.

ويتابع الدكتور الرشيد كلامه فيقول: “كل المفاهيم التي تحول دون نسف فكرة التراتبية في العمل، تمنع تشكل القيادة، كما أن الاستبداد يمنع تشكل القيادة كمصف آخر من المعيقات، ولكن هناك معيق آخر مهم جداً وهو نسف فكرة التراتبية”.

ويرى الرشيد: “أن في ثقافتنا الشعبية موجود بصورة كبيرة نسف التراتبية، وهذا يمنع تشكل القيادة، فليس مقصوراً على ضعف في الرؤية أو تخلّف فيها، بقدر وجود خلل في جوهر أساسي، هو احترام التراتبية في العمل، وهناك شعوب في طبيعتها هذه التراتبية”

لكن الرشيد يوضّح فكرته عن التراتبية بصورة أكثر دقة، فيقول: “لا شك أن التراتبية محمودة في إطار، ولكن مراعاة التراتبية في إطار آخر لا تكون محمودة خارج إطار القيادة، فالناس يجب أن يحسوا بأنهم سواسية تماماً، أما إذا كان الإحساس بالتباين قائماً في كل وجه وفي كل صورة فسيقع هناك الخلل”.

أما ما يتعلق بثقافتنا العربية فإن الرشيد يقول: “قضية التراتبية هي تشكل إعاقة، أو شكلت تاريخياً إعاقة في قضية تشكيل القيادة، فالإحساس بالتماثل في كل شيء، وفي كل وقت وفي كل مفردة في الواقع، فالناس متفاوتة في قدراتها وطاقاتها، والقيادة تحديداً هي تفاضل في الموقف، باختيار الناس، وهو ليس قيمة إلهية”.

ويعتبر الرشيد: “أن ذلك شيء كسبي عند الناس، إحساس الناس بالتماثل في كل شيء يمنع القيادة، وأيضاً إحساسهم بالتفاضل في كل شيء يوجد طبقية في المجتمع، تشكل استبداداً وتشكل استضعافاً وتذمراً وإهمالاً لشرائح مجتمعية”.

حول التنوير ودلالته

وعن التنوير بجوهره، سألنا الدكتور عماد الدين الرشيد والذي شغل منصب نائب عميد كلية الشريعة بدمشق سابقاً، فأجاب: “ليس لدي اعتراض على كلمة تنوير، فهي كلمة جميلة لا اعتراض على بنيتها، الاعتراض على استخدامها”.ويرى الرشيد أنه: “عندما يصف قوم أنفسهم بأنهم تنويريون، يكون الاستبطان أن من يقابلهم ظلاميون، وهذا يعني أنه نوع من تزكية العمل، ومن يزكّي عمله ليس محموداً، بل يجب أن يدع ذلك للناس فهي من تحكم”.

ويعتقد الرشيد: “أن التنويريين يبحثون عن وسائل جديدة في فهم النص، وأنهم يرون استخدام المفرزات المعاصرة، ما يتعلق بثورات المجتمعات وبؤرة الاتصالات والدمج العالمي، يريدون أن يفيدوا منها في فهم النص”.

ويرى الرشيد: “أنه يجب أن نميّز فيه بين مستويين، المستوى الأول هو آليات التعامل مع النص، والمستوى الثاني يتعلق بتنزيل فهم النص على الواقع ببعده المعاصر، والأول في الواقع جزء من انتاج فهم النص باعتبار أن النص مقدسٌ، وأن فهمه ليس مقدساً، ويحتاج إلى ضوابط، وأن قانون الاثبات والتفسير هو الضابط في كل زمان وفي كل عصر”.

ويضيف الرشيد: “مع هذا الفهم وعندما أنزله على الواقع، يجب أن أراعي هذه القضايا المهمة، التي هي الوضع العالمي والظروف الاقتصادية، ولهذا يمكننا القول أنه لدينا آليتان (آلية التعامل مع النص، وآليت تحقيق مناط النص في الواقع”.

ويرى الرشيد أن الفتوى تعتمد على النص وعلى تنزيل على مقاصد الناس، فمن يرى أن الفتوى تعتمد على النص فحسب، فهذا خطأ.ويعتقد الرشيد: “أن بنية النص اللغوية (الدلالية) تختلف من زمان إلى زمان، وأن معرفة الواقع هي معرفة حاجات الناس، وتكون منضبطة في القواعد الكلية الإسلامية، أي فهم النص يكون ضمن بنيته”.

تمكين المرأة والسياق التاريخي

وسألنا الدكتور عماد الدين الرشيد عن تمكين المرأة المسلمة، ودور الدين الإسلامي في ذلك، سواء لجهة إعاقة تمكينها أو دوره في تعزيز قدراتها ومكانتها ودورها في مجتمعها، فقال: “قضية المرأة قضية حساسة تاريخية مرتبطة بعلاقة الذكر والانثى، فبعد أول علاقة بين آدم وحواء، نُسجَ فهم وتصور للمرأة، إن واقع القضية ببعدها التاريخي وحساسيتها بشريك الانسان، (الرجل شريك المرأة والمرأة شريك الانسان)، يمكن القول إنها علاقة بين شريكين، يجعل في الواقع الموضوع شائكاً”.

ويضيف الرشيد: “لا نستطيع أن ننكر أن هناك إجحافاً بحق المرأة، سببه المسارات التاريخية المختلفة، والوعي الإنساني والبشري والتطورات”.ويرى الرشيد أن للمرأة خصائص مختلفة كلياً عن الرجل، والرجل له خصائص مختلفة عن المرأة، فالمرأة قوية في جوانب وضعيفة في جوانب، وهكذا هناك اختلاف وظيفي وبنيوي”.

ولكن الحديث عن وضع المرأة المسلمة اليوم، / يتابع الرشيد كلامه/ لا يمكن أن ننظر إليه إلا وهو متأثر بالسياق التاريخي (السياق الاجتماعي)، ولذلك لا علاقة له بالدين. ولا يمكن الدفاع عن الإسلام في قضية المرأة وفق هذه الرؤية”.

ويعتقد الرشيد: “أن المرأة في القرن العشرين أخذت حقوقاً سياسية، والمرأة تحتاج تمكيناً يمكنها من حقوقها، فالمرأة لا تزال من المكونات الاجتماعية المهمة، والرجل يحتاج إلى تمكين في حقوق معينة، وأن سوء فهم الناس للدين شيء آخر لا يتحمله الدين، ولا يتحمله المثقف”.

إن المرأة وفق فهم السيد الرشيد “تحتاج إلى تمكين في كل المجتمعات، التمكين يحتاج ضبطاً، وفي سوريا مجتمعنا غير منزّه من كل الأخطار”.

الثورة ارتداد لصراع أجيال

وحول صيرورة الثورة السورية، وأن الثورة تمّ اختطافها لصالح أجندات إقليمية ودولية، يقول الدكتور عماد الدين الرشيد الذي يرأس أكاديمية إسلامية في استنبول: “لا أحد يشك أن الثورة السورية انطلقت انطلاقة صحيحة وذات بنية محددة وذاتية ووطنية وبدوافع محلية محضة، وأن الحديث عن مؤامرة كونية ودفع أمريكي هو كلام مضحك”.

ويعتقد الرشيد: ” أن الذي حصل في سوريا هو ارتداد لصراع أجيال، وتمرد شديد له جذور تعود لعدة أجيال، وأن هناك حركات تحرر كانت تصطدم بعوائق متكررة لأكثر من 250 سنة خلت، وأن المنطقة تبحث عن الإحساس بالاستقرار، وشعوب المنطقة تتطلع نحو أنظمة أكثر عدلاً ومراعاة للحقوق والحريات”.

لذلك يرفض الرشيد فكرة المؤامرة الخارجية فيقول: “ما حدث لا نستطيع أن نقول أن أصابع خفية حركته، بل هو شيء في ضمير المنطقة”. مضيفاً: في الواقع تغيرت الثورة السورية بفعلٍ دولي، فالمجتمع الدولي الذي وقف مع السوريين تراجع، وأن السوريين لديهم بنية جاهزة للتدخلات، حيث تمكنت الجهات التي تريد ابتلاع الثورة، فوقفت ضد الثورة وضد شعبها”.

ويوضح الرشيد وضع السوريين فيقول: “لدى السوريين منظومة أخلاقية هشة تحتاج ضبطاً أكثر من ذلك، هذه المنظمة ليس لها علاقة بالنظام، وإنما لها علاقة بالمجتمع السوري، الذي لديه تمييز بين بناه، تمييز بين منطقة وأخرى، وتمييز بين ريف ومدينة، لهذا لم يحصل التوافق في الثورة السورية”.

ويرى الرشيد أن أي شيء يؤدي إلى التمييز بين السوريين لن يشكل دولة يطمحون لها، لذلك لا بد من حضور القوميات وحضور الأديان وحضور الطوائف، وأن يتم هذا الحضور بدون إحراج، فهذا لا يتعارض مع وحدة الدولة”.

السوريون ضيوفاً على قضيتهم

وسألنا الرشيد عن رؤيته في كيفية استعادة السوريين لقرارهم وسيادتهم فقال: “لا شك أن القضية السورية خرجت أن تكون قضية داخلية إلى إطار أوسع”.

ويرى الرشيد أن السوريين أصبحوا ضيوفاً على قضيتهم، وهم خارج الحدث، والصراع مع الاستبداد صار واضحاً أن بؤرته هي خارج سوريا، وأن هناك قوى أكثر تحكماً من السوريين، مثل الدول المحيطة أصحاب الأطماع، البعد الدولي، لذلك تدوّل الصراع سواء رغب السوريون أم لم يرغبوا، وبالتالي خرجت المؤسسات عن مسارها ووظيفتها، وحُرم السوريون من كل ما يقوّيهم،

وكان من السهل اختراق الجماعات المسيطرة على سلوكها، وكان واضحاً ومتوقعاً “أن يسيطر السوريون على المنطقة، وبذلك تمّ تهييج القوى الإرهابية، فدخلت في الحدث، وفوتت على السوريين الاستقرار المالي فبدون الاستقرار المالي لن تكون قوياً، لا بد من القوة وإحداها الموارد”.ويضيف الرشيد: السوريون يحتاجون مراجعات شديدة

كتاب السيرة النبوية والضجة الكبرى

وسألنا الدكتور عماد الدين الرشيد عن الضجة التي أثيرت حول كتابه “السيرة النبوية” وما حقيقة الأمر، لكنه لم يرسل جواباً عن سؤالنا، وإنما أرسل بياناً موجهاً للسوريين فيه اعتذار. جاء في البيان التوضيحي: “قام مركز الاستشراف للدراسات والبحاث بتأليف عدد من الكتب المدرسية، بتكليف من وزارة التربية التركية، ومن بينها كتب السيرة النبوية للمرحلة الابتدائية، وقد احتوت مقدمات كل درس صوراً معاصرة مع أسئلة عليها لتهيئ التلميذ للدخول إلى الدرس، وليست هذه الرسوم من أحداث السيرة النبوية ولا تعبر عنها، فأشخاصها معاصرون لباساً ومكاناً وزماناً،

ولا يحتاج الانسان إلى أدنى جهد من أجل أن يكتشف أنها لا تعبّر عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولا عن أحداث حياته، والفقرات التالية لفقرة التمهيد هي التي تحمل احداث السيرة وتعبّر عنها مضموناً”

مقالات ذات صلة

USA