• الجمعة , 19 أبريل 2024

حسين جلبي: أسئلة كُردية أبعد من عملية عفرين

ستكون كارثة إضافية حقاً، إذا لم يكن الكُرد في سوريا قد أدركوا بعد؛ أنهم لم يكونوا طوال السنوات السبع الماضية سوى ضحايا لعبة متقنة؛ رسم خطوطها العريضة وأدارها بإتقان نظام الأسد، بينما عمل حزب العمال الكُردستاني على تنفيذ تفاصيلها بحرفية عالية، وأضاف عليها بصماته الحديدية المعروفة جيداً للكُرد، بحيث جعل منها ـ من الخطة ـ جسداً ينبض بالشعارات الكبرى والرايات المرتفعة، ولكن على الأرض؛ سبباً لدماء نازفة بغزارة أيضاً.

فقد كشفت أحداث عفرين الأخيرة في جانب منها؛ عن الطبيعة الوظيفية والدور التشبيحي لحزب العمال الكُردستاني في المنطقة، والذي غيّر جلده مراراً وتكراراً بسهولة، وانتقل من خندق إلى آخر بالسهولة ذاتها، إلى أن أظهر وبدفعة واحدة حقيقته التي لم تكن غائبة عن المراقب الحصيف، التي تدور حول مرجعيته الحقيقية، حيث كان نظام الأسد هو أول من توجه إليه الحزب علناً؛ بعد ساعات من الإعلان عن بدء الهجوم التركي في منطقة عفرين،

فدعا النظام إلى تسلم إدارة المنطقة التي كان تسلمها منه في الواقع، والقيام بما قال عنه “واجباته السيادية” في الدفاع عن حدوده، شاطباً بذلك، وخلال لحظة واحدة على دماء كُردية غزيرة، قال بأنه بذلها دفاعاً عن “الكانتونات وثورة روج آفا”، هذه الثورة المزعومة التي قال بأنه أشعلها في غفلة عن الجميع، وحرر بنتيجتها المنطقة من النظام كما ادعى، وأقام عليها ما سمّاه “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، التي كان تعبيرها الأخير هو “فدرالية شمالي سوريا” حسب أدبياته المتقلبة.

لم يتوجه حزب العمال الكُردستاني إلى نظام الأسد؛ بسبب إعلان الأمريكان عدم وجود عفرين في منطقة نفوذهم فحسب، أو قيام الروس بسحب خبرائهم من المنطقة، الأمر الذي كان إيذاناً ببدء عملية عفرين، فالحزب لم يطلب يوماً من الطرفين ثمناً لخدماته السخية لهما أو لغيرهما، كما أنه لم يتوقع مكافأة على تلك الخدمات، خاصة أن لا أحد وعده بشيء من ذلك، بل توجه إلى النظام باعتباره راعيه الحقيقي، الذي مكّنه من رقاب الكُرد منذ بدايات الثورة السورية، وأتاح له الفرصة ليكون رقماً في معادلات المنطقة على حساب دمائهم، والأهم من ذلك حارساً مأجوراً على ممتلكاته، لا يستطيع تقرير مصيرها وحده. والحقيقة هي أن التدخل التركي لم يكن سوى فرصة ذهبية للحزب للتوجه إلى النظام، ولإعادة المنطقة التي تسلمها منه إليه، بصورة تحفظ له بعض ماء وجهه، خاصةً بعد أن عمل على خلق قبول شعبي بذلك، مقارنة مع وجود رفض للعملية التركية، والواقع هو أنه لولا التدخل التركي في عفرين؛ لما عجز الحزب عن إيجاد ذريعة لاستدارة حتمية مقبلة باتجاه النظام، بعد أن شارف دوره الوظيفي على نهايته.

بعدما حدث في عفرين، المدينة التي ذهبت إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي فيها أدراج الرياح، والتي أصبحت عملياً جزءاً من مناطق سيطرة النظام، رغم الاستجابة الضعيفة التي أبداها الأخير تجاه نداءات إدارة الحزب بالتدخل، والتي تمثلت بإرساله بعض شبيحته إليها تأكيداً لسيادتها عليها، الأمر الذي شكل صفعة إضافية للحزب وفضحاً لمستواه، مع مسارعته إلى إخلاء أحياء حلب من مسلحيه، بداعي التوجه لحماية عفرين، التي من المفترض أنها أصبحت من مسؤولية النظام، يثور السؤال عن مصير إدارتي الحزب في منطقتي كوباني ومحافظة الحسكة “كانتونَي كوباني والجزيرة” أيضاً بعد إلغاء “كانتون عفرين”،

وعن الفيدرالية التي طرحها؛ والتي يبدو أنها لن ترى النور أبداً، وفوق ذلك عن مصير جيش الشمال ذي الثلاثين ألف عنصر؛ الذي اقترحت أمريكا تأسيسه لحماية حدود منطقة شرقي الفرات، والذي كان بمثابة اللعنة التي أدخلت عفرين في عين العاصفة، وأخيراً عن مصير الوجود الأمريكي نفسه في المنطقة، الذي لم يربك التدخل التركي في المنطقة حساباته فيها، بقدر ما أربكهتا السهولة التي شطب فيها حزب العمال الكُردستاني على نفسه في عفرين، والتوجه إلى النظام لطلب الحماية منه.

قياساً على ذلك، ما الذي يمنع من تكرار سيناريو عفرين في كوباني والحسكة أيضاً ؟ خاصةً وقد سبق للمنطقة الأولى أن عاشت تجربة مدمرة إبان غزو تنظيم الدولة لها، وهي ليست في وارد تحمل المزيد، في حين أن النظام موجود بقضّه وقضيضه في المنطقة الثانية، والأمر لا يحتاج سوى إلى إنزال بعض الأعلام، واستبدال صور بأُخرى، عندما تلوح حجة ما في الأفق، من صنف التدخل التركي أو التهديد به، وهي ذريعة يمكنها أن تبرر بقاء الود بين النظام السوري وحزب العمال الكُردستاني. أبعد من ذلك، ما الذي يمنع انقلاباً في المعادلات المعروفة، بحيث يبيع حزب العمال الكُردستاني هذه المرة أمريكا لمصلحة نظام الأسد، وهي الدولة التي تتخلى عادةً عن حلفائها، خاصةً أن غياب النظام عن المنطقة ليس حقيقياً، والتحالف العتيد بينه وبين الحزب هو الأقوى والأبقى كما أثبتته التجارب؟. وسط تفاصيل هذه اللعبة الكبيرة؛ لا يملك المواطنون الكُرد سوى الأسئلة والكثير من الأسى، وهم يرون مصيرهم وقد أصبح بين أقدام لاعبين كبار، بعد أن حشرهم حزب العمال الكُردستاني هناك، وهو الحزب الذي لم يكن خيارهم يوماً، بل كان خيار نظام الأسد؛ الذي بناه ورعاه واستفاد منه حتى النهاية.

مقالات ذات صلة

USA