• الجمعة , 19 أبريل 2024

الشاهد طبيب مشفى الهلال رأى آثار الضرب على المعتقلين في الوجه وما يخلفه من كدمات، فضلاً عن جروح مفتوحة وعظام ظاهرة منها و كسور والتهابات

لونا وطفة /المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية

سبق وذكرنا في القسم الأول من جلسة يوم 09.09.2021 أن شاهداً سورياً دخل بعد الاستراحة من الباب المخصص للشهود متنكراً بلحية وشعر مستعار ونظارات شمسية سوداء وقناع وجه طبي ارتداه طيلة الوقت.

صرَّح محامي الشاهد أنه لن يعطي أي معلومات شخصية تتعلق بموكله بسبب خوفه على أفراد عائلة له في سوريا، وبناءً عليه بقي اسم الشاهد ووجهه غير معروف، المعلومة الوحيدة التي قَبِل الشاهد مشاركتها في المحكمة هي مهنته كطبيب عَمل في مشفى الهلال الأحمر القريب من فرع الخطيب.

أخبر الشاهد القضاة أن القصة بدأت مع فرع الخطيب عندما بدأوا باستدعاء أطباء من الهلال الأحمر في شهر نيسان/ابريل عام 2011 لمعاينة المعتقلين في الفرع، في البداية ذهب 5 – 6 أطباء مع ممرضين ولم يكن لديهم خيار الرفض على الإطلاق.في فرع الخطيب توجب على الكادر الطبي تسليم هواتفهم الجوالة عند الباب الرئيسي، ثم ينزلون إلى القبو مكان الزنازين في الفرع.

بعد ذلك يُستدعى قرابة 30 أو 40 من المعتقلين إلى ساحةٍ داخلية لتلقي العلاج. كانت علامات التعذيب واضحة عليهم جميعاً، ولم يسمح للأطباء بالحديث معهم إلا عند الضرورة فقط، كما لم يكن مسموحاً لهم طرح الأسئلة، وفي حالة الجروح كان عليهم وضع الضمادات فقط، إلا أن بعض الحالات التي تتطلب الذهاب إلى المشفى بغية العلاج أو التدخل الجراحي، وفي هذه الحالة يكتب الأطباء ملاحظة حول ذلك ، وقد يتم نقل المعتقل بعدها إلى المشفى أو لا بمعنى أنهم لم يكونوا أصحاب القرار في ذلك بل فرع الخطيب.

أكد الشاهد أنه عمل هناك طيلة السنتين الأوليتين من عمر الثورة، أي عامي 2011 و 2012، وقال أن المعتقلين كانوا يبدون بوضع جيد نوعاً ما في البداية ، إلا أن بقائهم لمدة طويلة بمثل هذه الظروف جعل أوضاعهم أسوأ. وعن هذه الأوضاع قال الشاهد أنه لا يوجد إضاءة طبيعية هناك إذ لا تدخل الشمس أبداً، بل عددٌ من اللمبات غير القوية، ويضطر المعتقلون للنوم فوق بعضهم البعض بسبب ازدحام المكان، وكانت الرائحة عفنة وخاصة في الصيف حيث تصبح أشبه برائحة البراز.

وعن آثار التعذيب على المعتقلين قال الشاهد بأن أحدهم لم يخل من جرح ما، ويمكن معرفة الجروح جديدة من علامات النزيف، كما أنه رأى آثار الضرب على الوجه وما يخلفه من كدمات، فضلاً عن جروح مفتوحة وعظام ظاهرة منها و كسور والتهابات، وهذه الأخيرة ناتجة عن عدم تلقي العلاج لفترة طويلة.

ولا يعرف الأطباء، عندما يصفون أدوية معينة لبعض الحالات، إن كان المعتقلون قد حصلوا عليها أم لا.لم يعرف الطبيب الشاهد لماذا حظي بعض المعتقلين برعاية صحية دون الباقين وهم الأغلبية ، وأكد أنهم عندما يعالجون حالات صعبة ويصفون الدواء، لم تكن هناك متابعة لهذه الحالات ولذلك يعتقد أن معظمهم توفوا، واستشهد على ذلك بأن ارتفاع الحرارة الشديد مثلاً يدل على إصابة المعتقل بالتهاب قوي، لكن إدارة السجن ترفض نقله إلى المشفى، وبحكم خبرته كطبيب يعتقد أن هذا الشخص لن يتمكن من النجاة.

سُئل عن رؤيته لمسنين داخل الفرع وأجاب أن بعضهم بلغ السبعين من العمر، ولم يتلقوا الدواء اللازم كما يعتقد، وأضاف بأن أكبر مسنّ عالجه بلغ الثمانين من عمره.ثم سُئل عن رؤيته لأطفال فقال أنه رأى طفل لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ولديه تورم دموي رأسي، أخبرهم في الفرع أنه بحاجة لصورة شعاعية أو رنين مغناطيسي ولكنه لا يعلم إن فعلوا ذلك أم لا.

وعن معالجته للنساء من فرع الخطيب قال الشاهد أنه عالجهم في المشفى بعد تحويلهم من الفرع ولكن ليس ضمن الفرع.قسَّم الطبيب الشاهد المراحل التي عالج بها المعتقلين على النحو التالي: الأولى كانت ضمن الأشهر الخمس أو الست الأولى عندما كانت المظاهرات تقريباً أيام الجمعة فقط، حيث المعتقلون حديثو الاعتقال وجراحهم أيضاً حديثة، أما المرحلة الثانية فهي ما بعد ذلك حيث تقلَّص عدد المعتقلين الجدد وبدأت تظهر علامات سوء الأوضاع على المعتقلين بشكل أكبر بسبب قضائهم فترة طويلة ضمن هذه الظروف اللاصحية كعدم القدرة على التحرك بشكل جيد مثلاً، كما أنهم كانوا دون ملابس ولديهم جروح قديمة.

أما عن الجثث فقال الطبيب أنه لم ير جثثاً في فرع الخطيب إلا أنه حدث ذات مرة منتصف العام 2012 تقريباً أن جاءت عربة من فرع الخطيب وفيها تقريباً ثلاث جثث وكانت مسؤوليته أن يؤكد وفاتهم.

وصف الجثث قائلاً: “كانوا شديدي النحول، وضعهم الجسدي سيء للغاية مع جروح وكدمات زرقاء وتورمات نتيجة التعذيب؛ رائحتهم سيئة ويرتدون سروالاً داخلياً فقط”. سُئل الشاهد ما إن كان مسؤولاً أيضاً عن كتابة تقرير الوفاة فأكد عدم مسؤوليته عن ذلك، وإنما فقط أن يؤكد ما إن كانوا بالفعل متوفيين أم لا حتى دون تحديد سبب الوفاة المباشر. سُئل الشاهد عن عدد الحالات التي عالجوها خلال عامي 2011 و 2012 فقال أنها كانت بالمئات وربما بالآلاف لكنه لا يستطيع الجزم بذلك، إنما يمكنه التأكيد أنهم جميعاً من فرع الخطيب، لأن كل فرع أمني يسيطر على أقرب مشفى له وفي حالة الخطيب كان مشفى الهلال الأحمر وذلك من أجل نقل الجثث من الفرع

.وعن طريقة معاملة المرضى المعتقلين الذين يتم نقلهم إلى المشفى، قال الشاهد أنهم يوضعون بغرف خاصة لا يختلطون فيها مع المرضى العاديين، ويتم تقيدهم إلى الأسرَّة من أيديهم أو أرجلهم ويتلقون معاملة سيئة وإهانات من عناصر الأمن الذين يبقون معهم طيلة الوقت، كما أنه لا يوجد ملفات لهم أو معلومات حقيقية كأسمائهم وأعمارهم.

سُئل الشاهد الطبيب من جهة الادعاء العام عمَّا إن كان يعرف حينها من هو المسؤول في فرع الخطيب؟ فأجاب أنور رسلان، فسألوه إن كان يعرفه معرفة شخصية حينها؟ فقال بأنه لا يعرفه شخصياً وإنما اسمه كان معروفاً لهم.

في نهاية الجلسة تقدم الشاهد والمدعي بالحق المدني والذي شهد في المحكمة في اليوم السابق أي بتاريخ 08.09.2021 بسؤال للطبيب الشاهد عن حالات لربما رآها لمعتقلين عانوا داخل المعتقل من فقدان العقل أو كما يطلق المعتقلون على هذه الحالة بأن المعتقل “فَصَل” أو أي حالات نفسية أخرى مشابهة، أجاب الشاهد بأنه لم يرَ حالات فقدان عقل ولكن بالطبع يستطيع التأكيد أن كل المعتقلين كانوا بحالة نفسية سيئة جداً وكانوا مكتئبين ومُحبطين ولا يعرفون أي مصير ينتظرهم..بعد هذا السؤال انتهت شهادة الشاهد الطبيب، وهنا تقدم المدعي الآخر من جلسة 08.09 عن طريق محاميته بطلب التحدث وتقديم توضيحين للمحكمة؛ أحدهما سيقرأه المدعي شخصياً والثاني ستتقدم به محاميته.

بدأ المُدَّعي وهو كما أسلفنا كان يعمل في مجال الصحة النفسية بقوله: “في سوريا وفي ظل نظام الأسد، الاعتقال يعني أمرين: اختفاء قسري وتعذيب. لا أحد يستطيع معرفة مكان المعتقل إلا في حالات نادرة عندما يكون الاعتقال بطريقة الاستدعاء لمراجعة الفرع ولا يعود المعتقل بعدها”.

ومن أجل تأكيد فكرته قام الشاهد بتقديم حالته كمثال عندما لم يستطع أهله معرفة أين هو، واختطاف النظام لمن يقوم بمراجعته للسؤال عن معتقل أيضاً، وشرح للمحكمة كيف أن السؤال عن أحد المعتقلين يُعتبر امراً خطيراً، وعن ذلك استشهد بقضية المعتقلة رشا شربجي المعروفة لدى السوريين.

ثم أنهى توضيحه بالقول: “النظام السوري يستخدم الإخفاء القسري لتمويل عناصره. الكثير من الأهالي يدفعون الكثير من المال ليحصلوا على معلومة واحدة فقط عن أبنائهم”.بعد ذلك تقدمت محامية المدعي ذاته بتوضيح يتعلق أيضاً بالإخفاء القسري ويوافق الطلب المقدم من المحاميين باتريك كروكر وسيباستيان شارمر بإضافة هذه التهمة إلى لائحة الاتهام ضد المتهم.

في ختام الجلسة تقدمت هيئة الدفاع عن المتهم بثلاثة طلبات جديدة لاستدعاء شهود جدد، الأول عضو في المعارضة السورية و معتقل سابق لدى المخابرات السورية، قالت هيئة الدفاع أن هذا الشاهد سيتحدث عن قضية المعتقلة نوران الغميان وظروف اعتقالها. الطلب الثاني كان استدعاء شاهد آخر يعمل كصحفي ومعتقل سابق أيضاً يَسَّر عملية إطلاق سراحه المتهم رسلان بذاته والتقيا شخصياً -المتهم والشاهد- في عنتاب عام 2013. أما الطلب الأخير فكان لاستدعاء شاهد ثالث عمل مع المخابرات السورية سابقاً واعتقل لديهم .

انتهت هذه الجلسة قرابة الساعة الرابعة مساءً، الجلسة القادمة ستكون بتاريخ 29.09.2021

مقالات ذات صلة

USA