• الخميس , 18 أبريل 2024

الائتلاف ومعضلة التراجع عن القرار

المدن

مضى حوالي أسبوع على قرار الائتلاف الوطني تشكيل المفوضية العليا للانتخابات الذي رافقه موجة احتجاجات غير مسبوقة اجتاحت الشارع الثوري والشعبي وجميع القوى الثورية والكيانات السياسية والدينية، وخلقت حالة من الغضب والغليان لم يغب عنها حتى أصدقاء الائتلاف والمقربون منه، مطالبين بالتراجع عن القرار الذي فهمه الجميع على أنه تمهيد للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي يتحضر لها بشار الأسد، وبالتالي منحه الشرعية وإعفائه من كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين.رغم التبريرات والتفسيرات التي قدمها رئيس الائتلاف نصر الحريري وبعض أعضائه لمشروعية القرار والأسباب الموجبة لصدوره، ورغم تأكيدهم على عدم مشاركتهم بأي انتخابات قبل الانتقال السياسي ورحيل الأسد، إلا أنهم لم يكونوا مقنعين، فالقرار في نصه واضح ولا يحتمل الاجتهاد.

بعيداً عن النوايا التي دفعت الائتلاف لاتخاذ هذا القرار والتي لا يُؤخذ بها في عالم السياسة، فالنص يتحدث عن (تهيئة الشارع لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي وتعزيز مبدأ المشاركة الفاعلة من خلال الترشح والانتخاب وإيجاد اليات المشاركة الواسعة من السوريين في الانتخابات).والهدف من إنشاء هذه المفوضية أيضاً واضح حسب نص القرار الذي يشير إلى السعي من أجل (تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي في المنافسة بأي انتخابات مستقبلية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية). وفي هذا أيضاً تجاوز لصلاحيات الائتلاف ونظامه الداخلي، فالمهمة الأساسية المناطة به هي تمثيل الثورة والمعارضة وقيادتها لحين تشكيل هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عنها بالقرارات الدولية وبيان جنيف1 لعام 2012 والقرار 2254.

الملاحظ أن القرار جاء عقب نشاط كبير لرئيس الائتلاف في الداخل المحرر وفتح أبواب الحوار والتشاركية مع القوى الثورية الفاعلة والفصائل العسكرية، وعقد اجتماعات ومشاورات مع مختلف الفعاليات، وكان ذلك محط ترحيب يملؤه الأمل بردم الهوة بين الائتلاف والقوى الثورية والشعبية على الأرض، وإصلاح المؤسسة وتطويرها بحيث تلبي طموحات الشعب، وعليه كان رأي غالبية القوى إعطاء فرصة لرئيس ائتلاف نشيط ومندفع باتجاه العمل في الداخل، وكان اجتماع الهيئة العامة للائتلاف مؤخراً والذي عقد للمرة الأولى بريف حلب قد أعطى مؤشراً إيجابياً على ذلك، ولكن قرار تشكيل الهيئة العليا للانتخابات جاء لينسف كل الجهود السابقة التي قام بها، بل وأكثر من ذلك خلق حالة غضب قد تؤدي للإطاحة بالائتلاف ورئيسه.فالإعلان عن المفوضية يعني تجاوز لمطلب الحكم الانتقالي والالتفاف على هذا المطلب بالتمهيد للمشاركة في الانتخابات التي سيجريها النظام السوري، وهذا يتوافق مع الرؤية الروسية للحل التي تقضي بإلغاء مطلب الانتقال السياسي وهيئة الحكم والاكتفاء بالدستور والانتخابات.

شخصياً كنت أتوقع وأتمنى أن يسارع الدكتور نصر الحريري ومعه العقلاء في الائتلاف إلى التصرف بمسؤولية ومن منطلق الحفاظ على المؤسسة والحرص على الحاضنة الجماهيرية التي تمثلها، فرغم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها الائتلاف على مدار السنوات التي خلت، وعلى الرغم من تغير المواقف الإقليمية والدولية من الثورة وتبدل الأولويات لأصدقاء الشعب السوري والضغوط التي تعرض لها، إلا أنه لا يمكننا إنكار أن الائتلاف بقي محافظاً على سقف مطالبه السياسية ولم يتنازل عن مطلب إسقاط النظام بكل رموزه، ما أبقاه الكيان الممثل للثورة.الكثيرين تفاءلوا من تغريده الدكتور الحريري التي قال فيها إن “خطوة التراجع عن القرار تأتي استجابة لمطالبات عدد من القوى الثورية والشعبية وحرصاً على وحدة الصف واحترام وجهات نظر السوريين…”. توقعنا التراجع عن الخطأ الجسيم، لكن وبكل آسف ما حصل لم يكن إلغاء القرار وإنما إيقاف العمل به، في محاولة اعتبرها الكثيرون عملية استغباء للناس مكشوفة لامتصاص الرفض الشعبي للقرار وتطويق تداعياته السلبية.وإذا كان أعضاء الائتلاف يعتبرون القرار متسرعاً وفيه لبس وقد أسي فهمه وتفسير نصه، كان الأولى إلغاءه وإنهاء اللغط الحاصل وإغلاق الباب امام التأويلات. لكن قرار تشكيل المفوضية العليا للانتخابات أعاد النقاش السوري حول مسألتين:

الأولى، يعبر عنها قطاع ثوري واسع يطالب بالعمل على إيجاد بديل ثوري عن الائتلاف من خلال مؤتمر سوري عام، ومنهم من يطالب بتغيير جذري للائتلاف من داخله مع الحفاظ على اسمه والمشروعية الدولية التي حاز عليها.

المسألة الأخرى تتعلق بأعضاء الائتلاف ومؤسساته ومن لا يزالون يراهنون عليه وهم يرفعون شعار إصلاح الائتلاف باعتباره الخيار الوحيد المطروح. وفي كلا المسالتين يبرز المأزق السياسي في المشهد الثوري، ذلك أن من يطرحون البديل عن الائتلاف ليس لديهم خطوات عملية ملموسة تعزز هذا الاتجاه، أما الساعين لإصلاحه من الداخل فقد تبدد الرصيد الوحيد الذي راكموه خلال الأشهر الأربعة الماضية بعد صدور القرار الخاطئ بتشكيل المفوضية.في مؤتمره الصحافي الذي حاول فيه نصر الحريري شرح وجهة نظره دون أن يكون مقنعاً، أعلن إلغاء القرار بشكل انفعالي بينما يُفترض أن يُلغى بقرار رسمي برقم وتاريخ، وليس بتصريح صحفي هنا أو تغريده هناك، فمن أوقف العمل بالقرار يمكنه العودة للعمل به متى شاء.

ورغم أن ردة الفعل العنيفة محقة في كل جوانبها لكن لا يمكن تجاهل استغلال هذا الخطأ الكبير الذي وقع فيه الائتلاف من قبل المتربصين به لإسقاطه وتصفية بعض الحسابات مع رئيسه وبعض أعضائه الذين وصل التهجم عليهم الى درجة التخوين. فمن حق السوريين أن ينتقدوا الائتلاف بسبب الفشل المزمن الذي راكمه وأن يغضبوا بسبب انحرافه عن الوظيفة والأهداف التي تأسس من أجلها، بل وحتى من حقهم المطالبة باستقالة جماعية لكل أعضائه، غير أن هذا الحق لا يجوز استخدامه لتبرئة ساحات من شاركوا بوصوله إلى ما هو عليه ثم اتخذوا وضعية الأبطال بعد أن انتهوا من ممارسة مهازلهم السياسية في ملعبه وكواليسه.لا نستطيع أن ننكر ونتجاهل أن الذين فشلوا في بناء بدائل ثورية فاعلة وكانوا في أكثر الأحيان سبباً في عرقلة محاولات العمل عليها في السنوات الماضية، وجدوا في هذه الحملة فرصة للتغطية على أخطائهم وعجزهم ورميها على الائتلاف.

فهل سنشهد في قادم الأيام استقالات من أعضاء الائتلاف أو رئيسه مغلبين مصلحة المؤسسة والثورة على أي مصلحة؟ وهل ستشهد المناطق المحررة حراكاً جماهيرياً يعبر عن موقف أكثر حسماً من الائتلاف؟ أم أن أعضاءه يراهنون على أنها عاصفة سينحنون لها وستمر بسلام كما مرّ غيرها.

مقالات ذات صلة

USA