• الخميس , 25 أبريل 2024

إبراهيم الجبين: المجتمع حاملاً عبء اليأس  نهاية التاريخ السوري

 

كتبتُ هذ المقال قبل ١٦ عاماً، أي بعد توريث بشار الأسد رئاسة الجمهورية السورية بعامين، وكنت أقرأ فيه في مفردات الواقع السوري آنذاك، مستنداً إلى ملاحظات وتفاعلات عديدة، أصحابها بعضهم رحل عن العالم مثل إيريك رولو الصحفي والكاتب المصري الفرنسي البارز، وبعضهم الآخر قادته خطواته إلى مصير كنت أحذّر منه في هذه السطور، مثل حالة بشار الأسد الذي سار قدماً نحو الكارثة وتدمير البلاد. أما النخب السورية ومثقفو البلاد فلم يبدُ لي حينها، ولا يبدو الآن أنهم قد تعلموا شيئاً من كل ما مرت به سوريا ومر به شعبها حتى اليوم في ربيع العام ٢٠١٨. فالأسئلة في “نهاية التاريخ السوري” كانت موجهة إليهم بالأصل لإدراك الناس وإنقاذهم.

بيروت ـ عندما حضر إيريك رولو جنازة الرئيس حافظ الأسد على الهواء مباشرة عبر محطة الـ Orbit كان يميل إلى البقاء صامتاً طوال فترة عرض تفاصيل المراسم والاستقبالات. وكان أيضاً ينتبه كثيرا ويصغي إلى ما يقوله الضيوف العرب والأجانب حول انتهاء مرحلة من تاريخ سوريا الحديث، وبداية عهد جديد كان لا يزال وقتذاك شبه غامض.
وعندما اقترب الحديث من فكرة تأمين “الاستقرار” في البلاد التي عصفت بها الانقلابات والتحولات السياسية والعسكرية منذ الاستقلال حتى تولي الأسد الأب السلطة في العام ١٩٧٠، عنذاك فقط خرج رولو عن صمته وحاول جاهداً شرح الفكرة الآتية: هل الاستقرار هدفٌ في حد ذاته أن أنه أرض أولية لتطبيق برنامج ما؟ وهل حصل هذا فعلاً طوال الأعوام الثلاثين التي حكم خلالها الرئيس الأسد سوريا؟ وما هي البرامج التي طبقت أثناء ذلك؟ وما هو أثرها على المجتمع السوري؟
أسئلة كثيرة أثارها رولو قبل نحو عامين من الآن.
أما وقد دخل الرئيس بشار الأسد مرحلة حكمه في شكل فعلي بعد إعلان أول وزارة في عهده وبعد مراسيم أصدرها شخصياً تناولت أموراً كثيرة. وبعد الإعلان الصريح والواضح عن موقف حاد من أية أصوات معارضة طالبت أو نادت أو حاولت أن تغير قليلا في الخريطة السياسية داخل سوريا، فيصير سؤال “الاستقرار” ونتائجه أكثر إلحاحاً من ذي قبل. بحيث تدفع أحوال المجتمع السوري  بالمرء إلى التفكير في طريقة مختلفة يجب أن تتنبه هذه المرة إلى كم التفاصيل الهائل الذي كان مقفلا في الماضي والذي أدى تجنب الاهتمام به والحديث عنه إلى تراكم واقع غير اعتيادي يمكن معه وصف المجتمع في سوريا بما تشاء من أوصاف البؤس، كأنها النهاية حقا!.
مجتمع بلا نخبة
إن السلطة التي أدارت المجتمع السوري طوال العقود الماضية كانت تقوم على التنبؤ – شبه اليقيني- بالآراء والمواقف والتصرفات التي ستصدر عن السوريين، ثم القيام بتعديلها وتكييفها وقولبة الشخصية والثقافة بما تلاءم مع متطلبات “الاستقرار” الذي كان يعني آنذاك “الاستمرار” في الحكم.
لذا تم تكريس أنشطة جهاز الحكم من أجل التوصل إلى الوسائل الأذكى للضبط والتحكم بدءا من التربية والتأهيل الإنساني وصولاً إلى طرق نوعية للتعامل مع كبار السن والمتقاعدين. وقد أدى انسحاب النخبة المثقفة من الحوار السياسي في الشارع السوري إلى ترك المواطنين في حالة عزلة، وإن كانت غالبية الحالات الفعلية لابتعاد المثقفين عن الشارع تمت بطريقة قسرية، ولكن محض تجاهل الالتفات إلى تطور مفردات الواقع الاجتماعي السوري كان كافيا لقطع الصلة تماما مع المواطنين.
ربما كان آلان تورين، عالم الاجتماع الفرنسي، على حق حين اعتقد أن المثقفين “افتتنوا ولزمن طويل بالسلطات التي كانت تقدم نفسها على أنها عوامل العقل”. إذ أن تغيير صورة المثقفين الفرنسيين، على سبيل المثال، كان أمراً في غاية الصعوبة لشدة تماهيهم مع مبادئ العقل ومع تحققها التاريخي. وهذا ما حدث، لاحقاً، في سوريا، حين تُرك المجتمع السوري بلا نخبة، وفي الوقت نفسه كانت قد تتالت عليه أزمنة التصنيع الإنساني ـ الذهني ـ الأخلاقي التي تتعامل معه بدءاً من سنوات تفتح وعيه الأولى ثم تتخلى عنه، ليواجه مصيره الفردي بأسلحة غير صالحة للاستعمال على الأرض.
وكان لسيطرة الدولة على شؤون الحياة العامة والخاصة كافة، حتى أنك يجب أن تنتظر موافقة أمنية للحصول على إذن بإطلاق اسم ما على مولودك الجديد على سبيل المثال، كان لتلك السيطرة الشمولية فعل تهديد شمولي أيضاً، تمكّن من إيقاع المواطنين في شَرَك الأخلاقية الذي قام على مبدأ “إنقاذ الذات”.
وهذا لم يكن ممكناً سوى بنزع الصفة الاجتماعية عن “السوري”، وتالياً تفكيك المجتمع إلى وحدات أكثر ضآلة خضعت في ما بعد إلى سيطرة لغة أجهزة الحكم والتي كانت لغة طقسية على الدوام، ذات طابع تعسفي، شأنها في ذلك شأن أي لغة سلطوية كما يرى رولان بارت الناقد والمنظّر الاجتماعي الفرنسي، في أكثر من مكان في العالم على مدار الحضارة الصناعية المنتجة أو المستهلكة.
لكن اختلاف الأنظمة السلطوية يأتي من حيث استخدامها لتقنيات مختلفة في الرقابة والتحكم،  واللغة تعكس الرقابات، ولكن تصير، في الشأن السوري، هي نفسها أداة الرقابة، وتصير أكثر من أداة نقل معلومات، بل تصبح محض أوامر تقود إلى الخضوع. وهذا هو ما نشأ عليه المجتمع السوري، سيما في العقد الأول من حكم الأسد الأب، الأمر الذي ولّد علاقة خاصة جدا بين الناس وتلك اللغة الطقسية التي استمرت تدعو إلى العمل ونصرة الكادحين وتحقيق الأهداف الوحدوية والاشتراكية والديموقراطية. على أن معظم الناس لم يكونوا يصدّقون ما تقوله اللغة الرسمية ولم يولوها اهتمامهم، ومع ذلك كانوا يتصرٌفون على أساسها! لقد كان خضوعهم للنسق يسمح لأعمالهم بأن تنجز، وكذلك يتيح البيع والشراء، وفي الوقت نفسه يدرّبهم على الانغلاق أمام مفاهيم أخرى هامة.
الفساد كنظرية للوجود
كان للصرامة التي اتبعتها أجهزة الحكم في تطبيق “الاستقرار” من أجل “الاستمرار” أثرها الحاد في توجيه وعي الناس نحو فكرة الخلاص الفردي والمنفعة. ما عطل كلياً أية فرصة لولادة أذهان جديدة بسبب الخوف من مغامرة الدخول في نسق غامض أشبه بالطيران خارج السرب. وهذا ما لم يألفه السوريون الذين تعودوا كيفيات خاصة تصلح للتطبيق فقط في البنية السورية (إكراميات، تعابير للوجه، إيقاعات خاصة لجريان الأمور، حدود خاصة ما بين الخير والشر..الخ)، حتى أصبح تحديد تعريف واضح للخير أمراً شديد الصعوبة والخطورة في آن. لقد تقلّص الخير حتى وصل إلى مجرد “الصدق”. وتم إلغاء تخيل الخير كمجال واسع للنضال والتحرر والتعبير والممارسة الطبيعية لأنشطة الحياة “الخيّرة”.
وبانتصار الفردية، تمكّن الشر من رسم حدوده في سوريا، في شكل واضح. خضع الأفراد ومصالحهم وأفكارهم لقدرة من يتمكن من إخضاعهم، وأخذت المجاميع البشرية في الانخراط في تيار الفساد لأنه ببساطة لا يوجد طريق آخر للحياة. ولأن الفساد، بمعانيه العديدة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والدينية، يمكنه أن يمنع الضغط الاقتصادي من دفع المواطنين إلى التمرّد وذلك لأنه يؤمن لهم حداً أدنى من الدخل الإضافي الكافي لتوريطهم في النظام من جهة، ومن جهة أخرى للاستمرار في ظر “الاستقرار”.
أصبح المجتمع خاضعاً لمتواليات لا نهائية من التعاملات غير القانونية في ظل قانون مجمّدٍ أصلاً بفعل حال الطوارئ ودستور مصمّمٍ خصيصاً للعمل وفق حالات الطوارئ، حتى أنك لترى حزام الفقر الذي يحيط بالعاصمة دمشق يعيش تداعيات نهاره من دون أية منغصات، متأقلماً مع ظروف الحياة التي تنحدر كثيراً إلى ما دون الحد الإنساني الأدنى للعيش، لدرجة أنهم لم يعودوا يشعرون برغبة في تغيير شروط معيشتهمو أشكال  بيوتهم غير المطلية، أسطحتهم المليئة بالخردوات الصدئة، الجرذان التي تتجول في ما بينهم، ونوعية الطعام الذي يتناولونه يومياً، والملابس التي يرتدونها.
وراحت تنهار تدريجياً حساسياتهم حيال مسؤولياتهم الأخلاقية نحو أفراد أسرهم. (ومشاعرهم التي يتفرض أن تدفهم لتغيير واقعهم). في المقابل أخذت تنمو شرائح مقربة من بعض الأجهزة، حتى وإن كان الجهاز فرعاً صغيراً لشرطة السير التي تقتات على قطع الطريق وأخذ الإتاوات من سائقي السيارات، وتواصل حياتها مستعينة بالعمل اليومي المجهد مضافاً إليه مردود الفساد.
في مكان آخر، تطور فكرة مواكبة الفساد عبر التغطية التنظيرية التي اشتدت في السنوات الأخيرة والتي تحدثت عن ضرورة الفساد كي تتركّب الشروط الموضوعية لظهور الكاريزما الذي سيقضي على الفساد!.
وقد عمل مثقفو السلطة على الترويج لأفكار من هذا النوع، مستندين إلى عبارات من نوع “إننا نلعن في المساء وفي سهراتنا الحميمة، ميكيافيلي، وفي الصباح نمارسه” كما يقول أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق. وتترك الممارسات الأخلاقية لتأخذ كامل توترها على الواقع الوهمي التنظيري، وعلى أرض الواقع تعاش أخلاقيات المنفعة إلى ذروتها، بينما يتم تدريب المجتمع على السمع والطاعة بإقصاء المسافة اللازمة للتفكير والتأمل من أمام الأفراد، فلا يكادون ينتهون من “مخرطة” المراحل الدراسية حتى تتلقفهم المؤسسة العسكرية التي تبني مفهوم “التضحية مقابل لا شيء” في شخصياتهم. فيتلقون ما يزيد من شحناتهم الوطنية والقومية علاوة على توعيتهم بقداسة الأمر العسكري، “نفّذْ ثم اعترضْ”، في وقت تعيش البلاد حالة اللاحرب واللا سلم منذ هدوء نيران حرب العام ١٩٧٣، وتقتطع سنتان ونصف السنة على الأقل من أعمارهم، ليتخرجوا بعدها محملين بثقافة الطاعة، وهكذا، لتتحول أشكال احتجاجهم  نوعاً من العتب الاجتماعي الفائق، مهرّبون، عاطلون عن العملو مدمنون، متصوفة، زاهدون، … وفي أحسن الأحوال مثقفون مصابون بالكآبة، أداروا ظهورهم للثقافة الشعبية الجماهيرية الحقيقية، بدلاً من أن يكون دورهم استخلاص القدرة الخلاقة من الناس.
لقد ترك المثقفون للسلطات أن تستثمر في كل ما هو غير أخلاقي عند الناس.
أما ما حصل لاحقاً، فهو أن المثقفين، ولكونهم نموذجاً ممتازاً لضحايا المرحلة، ركّزوا جل اهتمامهم نحو السلطة، فتلاشى المخزون الثقافي للمجتمع وتحوّل عبئاً ثقيلاً من اليأس وفقدان الأمل.
المستقبل وفانتازيا الحاضر
ماذا عن المستقبل؟ إذا كان التاريخ يُرسم دائماً بأدوات المضارع، والأيام الآتية هي حصاد ما يحدث الآن.
هناك حديث متواصل عن إعادة البناء وعن التطوير والتحديث، وهناك قرارات وإجراءات واختصاصيون يُعيّنون في مواقع حساسة. ولكن ما تم نسجه حتى الآن من “نظام حياة” هو في الحقيقة من أعقد ما يكون، وسيصعب تفكيكه حتى وإن كانت رغبة القيادة الجديدة تتوجه نحو ذلك.
عادة ما يرافق تغيّر الأنظمة ارتياحٌ كبيرٌ لدى الجميع، لكنه غالباً يبدع التفكير بالديموقراطية ويركّز فقط على الانفتاح على “السوق”. وسرعان ما تُستنفذ المشروعات السياسية وتسيطر فكرة اقتصاد السوق على جميع التغيرات الأخرى، فلا التربية ولا العدالة الاجتماعية تحرّض على الاشتغال في مجالها، وما يستهوي الناس هو فقط معرفة من أين ستأتي رؤوس الأموال ومن أين سيأتي أصحاب المشاريع؟ وتُهمل “الثقافة”. وبعدما كان “كل شيء سياسيّ” تعيش الدولة مرحلة “كل شيء اقتصاديّ”.
ويعيش السوريون مرحلة عزلة الثقافة، بحيث أن الشعب لم يعد مكترثاً بما يحدث، على اعتبار أن مجرد الاهتمام بالشؤون غير اليومية “المعيشية” هو نوع من التدخل في شؤون الدولة. وهذا ما تعوّد المواطنون تجنّبه أو التهرّب منه.
وفي المقابل فإن الناس لا يعرفون معنىً للممارسة السياسية، أو أنهم لا يجدون مكاناً لها في حياتهم، ومعظمهم غير مطلع حتى على الدستور.
أقول ذلك كي أفكر قليلاً في معنى “المواطنة” لدى سوريي الشارع. هل هم حقاً يتمتعون بمشاعر مواطنة حقيقية تعكس انتماءاتهم؟ هل يظنون أن الأمر يعنيهم في شكل أو آخر؟
إن المتحدثين عن منح الحياة الديموقراطية أو عن سلبها، لم يفكروا في ما يدور في خلد الغالبية الصامتة في الشارع السوري. إذ أن شرط تحقق الديموقراطية الرئيسي هو أن يريد المحكومون اختيار من يحكمهم وشكل الحكم تاليا، وأن يريدوا المشاركة في الحياة الفعالة وأن يشعروا أنهم “مواطنون”. وأن يكون هناك “مصلحة مشتركة” في ما بينهم تدفعهم إلى المطالبة بالمساهمة في العملية السياسية.
لكنهم اليوم يقبلون بسهولة علاقات الاتّباع، إذ يخضعون سلبيا للإكراه، وتوطيد وحدة المجتمع هو ضرورة تُبنى أصلاً على رأي المواطنة، كما يعتقد عالم الاقتصاد البريطاني ألفريد مارشال.
الأهم من ذلك، وجوب التشارك في القيم الأخلاقية. لأن وجود قيم مشتركة دينية وسياسية.. الخ يؤمّن الحدّ من السلطة السياسية التي يتمتع بها جهاز الحكم. وهو ما اضمحل تماماً في البلاد (سوريا). وأصبحت جزر التجمعات السكانية المفككة هي المظهر الأكثر وضوحاً في المشهد، وأخذت “غيتوات” كثيرة تنتشر في المدن والأرياف.
أحمال المجتمع
إن التركة التي يحملها المواطن السوري على كتفيه هائلة إلى درجة أنه لا يمكن التعامل معها وفق الحلول الجاهزة المجرّبة من قبل. معنوية ومادية، فهناك على سبيل المثال، الملايين من الليرات التي تم سحبتها الدولة من المواطنين منذ أكثر من عشرين عاما، سحوبات تمت تحت بند اكتتابات على شراء سيارات وجرارات وشقق وو الخ. مبالغ ضخمة لا تزال معلقة في ذمة الدولة (في السويداء وحدها اكتتب عدد من الفلاحين على شراء جرارات مجمعة في شركة (فرات) لتصنيع الآليات في حلب، منذ العام ١٩٨٠ وقاموا بدفع مبالغ وأقساط طوال العقدين الماضيين لكنهم لم يتسلموا شيئاً بعد، مع العلم أن شركة فرات ذاتها عانت في العام ٢٠٠٠ من مشكلة في تصريف إنتاجها الفائض! إذاً أين ذهبت الأموال التي دفعها الفلاحون؟). وهكذا في غير منطقة من سوريا.
هناك بنية لا يمكن تفكيكها حتى بدافع التطوير والتحديث. الدولة مدينة. وفي الوقت نفسه تفتتح برامج لمكافحة البطالة التي بلغت حتى الآن ٤٢ بالمئة من السكان القادرين على العمل. مكتب الإحصاء في دمشق يصدر أرقاماً ونسبا غير حقيقية. ليس بالضرورة أن يكون الدافع هو التزوير، لكنها البنية ذاتها التي تجعل الأمور غير دقيقة على الدوام. في محافظة الحسكة اشترت شركة الرصافة لاستصلاح الأراضي التابعة للدولة أدوات معدنية وآليات من المنطقة الصناعية في إحدى ضواحي المدينة هي عبارة عن مجال صغيرة لأصحاب الحرف، بلغ مجموع المشتريات ما قيمته ٢١٨ مليون ليرة منذ العام ١٩٩٢ وحتى الآن (تاريخ نشر المقال العام ٢٠٠٢) لم يسدد أي جزء من المبلغ للمواطنين البسطاء. مع العلم أن مديرية المالية استوفت ضريبة أرباح هذا المبلغ من المواطنين واحتسبت منهم ٥ بالمئة.
يصدر قرار القيادة القطرية لحزب البعث بحل مشروع حوض الفرات ويتم تسريح ١٥١٦ عاملاً زراعياً كانوا يعيشون مع عائلاتهم وأولادهم، وعليهم الآن أن يتدبروا أمرهم ويتوجهوا إلى برنامجج مكافحة البطالة!.
(هذه الأمثلة لتصوير العلاقة القائمة حينها أخلاقيا وقانونياً ما بين الدولة والمواطن).
مصير الأمل؟
الكثير من الأمثلة في كل مكان داخل سوريا. والسؤال الآن: هل ستستمر الأمور هكذا؟ وهل تتحمل الإدارة الحالية لشؤن البلاد مسؤولية ما يحدث؟ هل هم المواطنون؟ إذاً لماذا تحتكر الدولة مسيرة التحديث والتطوير ومكافحة الفساد والبطالة والانهيار الاجتماعي؟ لماذا يتم استبعاد الخبرات “المستقلة”؟ أو حتى المعارضة؟
إذا سارت جميع الأحوال في هذا الاتجاه الذي نراه الآن فستقع الكارثة، ولا أحد يعلم ماذا سيحصل. وأمام السوريين الآن ضرائب كثيرة ستُدفع، في مقدمتها فاتورة السلام التي فقدت توقيتها. هناك أيضاً الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهناك المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي بدأت في أيار ١٩٩٦ ولن تنته في الشكل الذي يمكّن سوريا من الحركة الحرّة. فقد كانت هناك مشاكل يوضحها الأوروبيون ويفاجأ دائماً بها الجانب السوري! الناتج الإجمالي، إنتاجية العمل، نصيب الفرد ومستوى التقدم التكنولوجي..الخ.
باستمرار حالة الإحباط في مجالات الحياة العامة، لن يكون هناك مستقبل في سوريا، إذ أن التركيبة بكاملها الآن تصاب بالشلل وفي شكل متسارع سيقود حتماً إلى النهاية.. نهاية التاريخ السوري.

ملحق صحيفة النهار اللبنانية – ١٧ آذار – مارس – ٢٠٠٢

مقالات ذات صلة

USA