• الإثنين , 11 نوفمبر 2024

أربع سنوات أخرى من الانتظار

عبد الرحمن الحاج //نداء بوست

لم تحسم الإدارة الأمريكية الجديدة استراتيجيتها في سوريا وتحاول جميع الأطراف التأثير فيها، ولكن من الواضح أن الإدارة لديها موقفاً حاسماً من الأسد، فهو بنظرها “مجرم حرب”، ومن قانون قيصر لحماية المدنيين الذي ستستمر في تطبيقه وربطه بالقرار 2254، هذا ما يفهم من تغريدات الرئيس يايدن وتصريحات وزير خارجيته بلينكن مؤخراً.

تريد إدارة بايدن مراجعة كل السياسات السابقة بخصوص سوريا في إدارة ترامب وقبلها أوباما لتخط سياستها التي تراها مناسبة للولايات المتحدة وإعادة موقعها في العالم، لكن هذه الإدارة محكومة بمجموعة من الوقائع التي خلفتها حقبة ترامب، وعلى رأسها وجود قانون قيصر والعقوبات المرتبطة به وهو قانون ملزم للإدارة، ووجود قوات أمريكية وقواعد عسكرية على الأراضي السورية قامت بدور رئيس في دحر داعش مهمتها لم تنته بعد، وخلق مساحة سيطرة أمريكية ما وراء نهر الفرات.

وكذلك الوجود التركي في شمال شرقي سوريا (منطقة عمليات نبع السلام)، ووجود عمليات عسكرية إسرائيلية مستمرة ضد الوجود الإيراني العسكري في جنوب غرب سوريا (من البوكمال إلى لبنان). ومبدأ المعاقبة المباشرة للنظام على أي استخدام للسلاح الكيميائي.

كل ذلك يجعل إمكانية إحداث تغيير جذري في السياسات صعب للغاية، إذ أضافت تلك الوقائع مجموعة من أوراق الضغط لم يسبق أن توفرت لإدارة أوباما التي اكتفت بالظاهرة الصوتية وسلمت سوريا لإيران مقابل صفقة السلاح النووي.ومع ذلك تثير التعيينات كثيراً من علامات الاستفهام. بيرت ماكغورك – الذي عُيّن منسق إدارة بايدن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا – ينظر للأسد على أنه الشيطان الذي نعرفه ولا بد من التعامل معه، رغم إقراره بأنه مجرم حرب وقاتل جماعي، ولكن مصالح الولايات المتحدة تقتضي الاعتراف بما يسميه “الحقائق الصعبة في سوريا”، وهي أن الأسد لن يرحل”، و”سعي الدول العربية للانخراط مع دمشق مجدداً” و”تركيا ليست شريكاً فعالاً” وتسعى لدعم أمريكي “لمد أراضيها 20 ميلاً شمال شرق سوريا”، و”روسيا هي وسيط القوة الرئيسي لواشنطن في سوريا”؛ إذ ليس لواشنطن علاقات مع إيران ونظام الأسد. وبالتالي فإن أي استراتيجية أمريكية يجب أن تنطلق من هذه المعطيات.

وعن “السعي لتحقيق أهداف كبرى” – حسب ماكغورك – وتركز فيه على ضمان مصلحتين: “حرمان إيران من وجود عسكري راسخ يهدد إسرائيل، ومنع عودة داعش”، والعمل على حل سياسي يقوم على تفاوض روسي أمريكي يفضي إلى صفقة بين قوات قسد والنظام السوري توفر عودة جزئية لخدمات الدولة (لا النظام) ومنح الحقوق السياسية للأكراد في مناطقهم، ويفضي أيضاً إلى اتفاق يمنح الولايات المتحدة الحرية في الوصول إلى المجال الجوي والمنشآت العسكرية الصغيرة للضغط على داعش ومنع عودته. ومع ذلك لا ينبغي للولايات المتحدة أن “تقبل حكم الأسد أو الانخراط مع نظامه” وإنما يجب التمسك بالعقوبات وممارسة الضغط الأقصى من خلالها (ماكغورك، حقائق صعبة في سوريا، فورين بوليسي أيار/حزيران 2019)في موازاة ذلك، تم تعيين جيفري فيلتمان مبعوثاً لسوريا، ولفيلتمان رؤية سياسية للحل في سوريا نشرها قبل أيام من تعيينه مع هربر بليان في مركز كارتر، ومفادها أن المصالح الأمريكية في سوريا هي “القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات”، وتخفيض التوتر في الشرق الأوسط حيث باتت سوريا بؤرة صراع القوى الدولية والإقليمية، وأخيراً وقف تدفق اللاجئين إلى الدول الغربية”.

وبرأي فيلتمان وزميله أن العقوبات أدت إلى إيذاء السكان وعواقب إنسانية كبيرة، ولم تنجح في تغيير موقف الأسد بل أدت إلى زيادة اعتماده على روسيا وإيران، وأن على الولايات المتحدة أن تغير سياسة الضغط الأقصى إلى سياسة المقايضة المتدرجة: رفع العقوبات مقابل خطوات ملموسة وقابلة للقياس في مفاوضات الحل السياسي في جنيف ونزع ما تبقى الأسلحة الكيميائية وإصلاح القطاع العسكري والأمني. ومقابل ذلك على الولايات المتحدة أن تتخلى عن مطلب “رحيل الأسد”! (فيلتمان وبليان، ريسبونسبل ستيتغرافت، 20-1-2021).

يضاف إلى هذين المسؤولين “روبرت مالي”المسؤول السابق لمجموعة إدارة الأزمات الدولية كمبعوث أمريكي لإيران من أجل التفاوض على الاتفاق النووي، حيث روجت مجموعة الأزمات تحت إدارة مالي لعدد من المواقف: أن جنوح الأسد للتشدد هو نتيجة سياسات العرب المتطرفة ضد نظامه، وأن هذا النوع من الأنظمة يتمتع بشرعية محلية لا يستطيع الغرب إداركها من منظور الشرعية السياسية في أنظمته، وأن السياسة الأمثل هي التركيز على تشجيع هذه الأنظمة على الإصلاح السياسي والاقتصادي بدل الضغط عليها. وضرورة رفع تنظيم النصرة من لوائح الإرهاب الأمريكية وتشجيعه على الانخراط في الأجندة المحلية.

ثمة رسائل متناقضة في هذه التعيينات مع الرسالة التي روجتها فريق بايدن في حملته ا الانتخابية وكان أصرحها ما قاله بايدن مراراً أنهم يقرون بأخطاء إدارة أوباما الكارثية وهم بصدد مراجعتها وعدم السماح بتكرارها في سوريا في حال فوزهم، وقد حصل، ولكن هذه التعيينات تقود إلى حد كبير إلى الاعتقاد بأن إدارة بايدين ليست بصدد تنفيذ ذلك.

غابت سوريا عن خطاب بايدن الأول في شرح سياساته الخارجية (4-2-2021)؛ ومعنى هذا أمران: الأول أن سوريا ليست أولوية بالنسبة لهذا الإدارة، والثاني أن الإدارة ليس لديها خطة بعد عما تريد فعله في سوريا. وهو أمر بات مفهوماً في ظل تناقص القدرة على إحداث تغييرات جوهرية فيما فرضته إدارة ترامب من وقائع. وإذا ما أخذنا ذلك بعين الاعتبار وأن فريق بايدن للشرق الأوسط وعلى رأسه ماكغورك يتبنى سياسة عدائية تجاه تركيا، وكذلك توجهات بايدن التي ظهرت في تصريحات متكررة أثناء حملته الانتخابية المعادية للرئيس التركي أردوغان، وكلاهما مؤيد لتنظيم قسد ودعمه، الأمر سيقودنا ذلك إلى استنتاج وحيد أن الوضع في شرق الفرات سيبقى متأزماً دون تغيير يذكر.

إذ من الواضح أن المخاوف التركية والأمن القومي التركي ليسا في محل اعتبار قوي لدى هذه الإدارة، ومن المتوقع أن تكون العلاقة بينهما سيئة طيلة السنوات المقبلة.بخصوص إدلب فقد تمت أساساً باتفاق تركي روسي، ولا تعول تركيا على موقف أمريكي في الأمر، ولديها وجود عسكري كبير يحول دون عمليات عسكرية كبيرة في المنطقة. إذا ما انهار الاتفاق لسبب ما، فلا يوجد دور فعلي للولايات المتحدة في إدلب، كما أن مصلحة الإدارة في عدم تفاقم مشكلة اللاجئين وعودة تدفقهم يجعل موقفها من إدلب ثابتاً بغض النظر عن علاقتها بتركيا.

المعارضة غائبة في أجندة إدارة بايدن، ويبدو أنها تفضل العمل مع قوى أمر الواقع وقسد، وفي حين لا تنوي الإدارة استخدام القوة فإن الحل السياسي في جنيف لن يشهد أي تقدم. ما من شيء يجبر نظام الأسد على تنفيذ ما هو مطلوب منه سوى القوة، وحيث ‘ن الإدارة لن تستخدم سوى “الأساليب الناعمة” والضغط الاقتصادي فسيكون لدى الأسد ألف وسيلة ووسيلة للتهرب وإيجاد منافذ للاستمرار. ما من شيء إذاً يدعو للقول إن تغييراً سيحصل. على العكس، يبدو أن تغييرات محدودة قد تحصل فيما سيبقى الإطار العام هو ذاته، ولن يكون هنالك تغيير طوال السنوات الأربع، وما علينا سوى الانتظار والتكيف مع هذه الحقيقة.

مقالات ذات صلة

USA