• الجمعة , 29 مارس 2024

سوري يطالب بمحاكمة المرتزقة الروس بعد تعذيبهم أخاه وقتله

عربي21- باسل درويش

الخميس، 22 يوليو 2021

نشرت شبكة “سي إن إن” تقريرا، قالت فيه إن لاجئا سوريا يطالب بتحقيق العدالة لمقتل أخيه على يد مرتزقة روس. وفي التقرير الذي ترجمته “عربي21″، أشار إلى فيديو مروع نشر على الإنترنت، وأظهر كيف تحول حقل نفطي في الصحراء وسط سوريا إلى “غرفة تعذيب مؤقتة”، وظهر فيه أربعة رجال بالزي العسكري وهم يعذبون رجلا ويكسرون يديه ورجليه بمطرقة. وفي الوقت الذي كان يصرخ فيه طلبا للمساعدة، كانوا يسخرون منه، بحيث غطت ضحكاتهم على صرخات الألم. وفي خلفية مشهد التعذيب، أغنية قومية للجيش الروسي “أنا القوات الروسية الخاصة”.

أما الضحية في الفيديو المسجل بطريقة غير متقنة، فهو عامل البناء السوري محمد، البالغ من العمر 31 عاما، وأب لأربعة أولاد صغار، اختفى وهو في طريق العودة من عمله في لبنان في آذار/ مارس 2017، وكان آخر ما تلفظ به محمد هو الشهادة. وقام الرجال الذين قتلوا وشوهوا جثة محمد بكتابة شعارات بالحروف الروسية، وتقول “من أجل في دي في والاستطلاع”، في إشارة إلى القوات الروسية المحمولة جوا، وتم تحديد هوية أحدهم من الصحيفة الاستقصائية “نوفايا غازيتا” بأنه مرتزق تابع لفاغنر، وهي شركة تعهدات أمنية مرتبطة بيفغيني بريغوجين، صاحب العلاقات مع الكرملين، والمعروف بطاهي بوتين.

وينفي الكرملين أي صلة بفاغنر، ويؤكد أن الشركة الأمنية غير قانونية في روسيا، فيما نفي بريغوجين أي صلة بفاغنر، ولم يتحدث هو أو أي شخص في شركاته لـ”سي إن إن”، رغم المحاولات المتكررة للشبكة للتواصل معهم خلال السنوات الماضية. وقال الرئيس فلاديمير بوتين في 2019: “يخاطر هؤلاء الناس بحياتهم، وهم بشكل عام مساهمون في مكافحة الإرهاب، لكنهم ليسوا الدولة الروسية، ولا الجيش الروسي”.

وتعمل القوات الروسية في سوريا منذ 2015، وهناك أدلة جوهرية تظهر أن وجود الشركة في سوريا مرتبط بنشر القوات الروسية. ويرى المحللون أن الشركة لم تكن لتوجد دون موافقة بوتين، وبالتأكيد فمقرات تدريبها في جنوب روسيا مرتبطة بمقرات القوات الخاصة. وبعد أربعة أعوام على مقتل محمد، تقدمت ثلاث منظمات غير حكومية، روسية وفرنسية وسورية، بدعوى قضائية في الدور الذي لعبه مرتزقة فاغنر في الجريمة، وبإمكانية ارتكاب جرائم حرب. وتم تقديم الدعوى القانونية في آذار/ مارس، نيابة عن أخيه عبد الله، وهذه هي المرة الأولى التي حاول فيها أحد محاكمة عنصر في شركة فاغنر، فيما تقول منظمات حقوق الإنسان إنها قائمة طويلة من الانتهاكات التي قام بها المرتزقة، الذين سمح توسعهم في مناطق عدة من العالم لتوسيع سياستها الخارجية في مناطق مثل سوريا وأوكرانيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزامبيق.

وعبدالله اليوم لاجئ غادر سوريا عام 2017، ولم يتحدث أبدا عن مقتل شقيقه، لكنه كسر صمته بمقابلة مع “سي إن إن”؛ من أجل لفت انتباه العالم للمأساة التي مزقت عائلته، ولحماية عائلته التي تعيش في مناطق النظام، طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، وقال: “ذهب أخي، ولن يعود أبدا” و”أريد من العالم الاستماع لقضية أخي، ولمحاسبة هؤلاء المجرمين”.

وفي آخر مكالمة لمحمد أجراها في نيسان/ أبريل 2017، أخبر عبد الله أن النظام اعتقله بعدما اجتاز الحدود إلى سوريا بعد عمل 8 أشهر في لبنان، وقال إنه نقل مكرها إلى دمشق، وأجبر على الخدمة في الجيش، لكنه يخطط للهروب، وبعد 10 أيام اتصل وقال إنه أرسل إلى حمص، وإنه سيهرب في الليل، وكانت آخر مكالمة له مع العائلة، وقال: “سلم على الوالد والوالدة، واطلب منهم مسامحتي، سأعمل شيئا، ولا أعرف إن كنت سأعود أم لا”، وطلب منه أن يعتني بزوجته: “وضعت عائلتي أمانة في عنقك”

. ويقول عبد الله: “كان هذا الكلام وكأنه يعرف أن أمرا سيحدث له”، ولم يقابل محمد ابنته الصغرى أبدا. وبسبب الحرب الأهلية وانقطاع الاتصالات الهاتفية وغياب التغطية للإنترنت، كان من الصعب على عائلته معرفة ما جرى له، ولم تعرف إلا بعد أشهر عندما ظهر فيديو تعذيبه، وقال عبد الله: “في يوم أرسل شخص من البلدة لقطة فيديو قائلا: شاهد فلربما كان شقيقك”، و”بالطبع تعرفت على أخي من ملابسه وصوته وشكله”، و”تعرض للتعذيب على يد جنود غير سوريين، ولم نفهم ما كانوا يتحدثون به”، وأخبر عبد الله بقية أفراد العائلة، لكنه لم يشركهم بالفيديو؛ لخوفه من الأثر الذي قد يتركه على الكبار. وأضاف: “عندما شاهدت الفيديو كان لدي أمل بأنه لا يزال حيا، فقد تعرض للتعذيب، لكنه كان حيا ويتحرك، وكنا نأمل أنه حي في المستشفى”.

وسافر والدهم إلى دمشق؛ بحثا عنه في المستشفيات والسجون. وقال عبد الله “27 عاما” إنهم تأكدوا من وفاته بعد ظهور شريط ثان بعد شهرين، وقال: “عندما شاهدت الفيديو ومشهد قطع رأسه بقيت في الغرفة أياما ثلاثة لم أخرج منها، فلم يكن مجرد أخ، بل وصديق، وكنا لا نفترق أبدا”، وأصيب أخوهم الثالث بحالة نفسية بعد مشاهدته للفيديو.

ومنح وجود مرتزقة فاغنر موسكو مساحة للنفي، فقد كانوا يمثلون رأس حربة الوجود الروسي. وفي شباط/ فبراير 2018، قتلت غارات أمريكية مئات من مقاتلي فاغنر، عندما حاولوا التقدم نحو حقول النفط في دير الزور، وعملت موسكو جهدها لإبعاد نفسها عن الحادث، لكن عندما بدأت الجثث بالوصول إلى روسيا اتضح أنها عملية فاغنر. وجمعت “سي إن إن” شهادات من مصدر على صلة مع فاغنر قام بزيارة المقاتلين الجرحى العائدين إلى روسيا.

وفي الأيام التي تبعت العملية، قامت مؤسسة مستقلة بزيارة مقاتل مات في سوريا، وأكدت أنه لم يكن جنديا في القوات النظامية الروسية، واكتفت وزارة الخارجية بالقول إن هؤلاء المرتزقة يعملون باستقلالية، وسافروا إلى سوريا بناء على مسؤوليتهم.

، تركز عمل المرتزقة حول شركة اسمها إيفرو بوليس، التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها لعلاقتها مع بريغوجين. وحصلت “سي إن إن” على عقد الشركة مع الحكومة السورية، ونص بحصولها على نسبة 25% من موارد حقول النفط التي تم استعادتها من المعارضين، وبعبارة أخرى يقوم مرتزقة فاغنر بالقتال، أما شركة ايفرو فتحصل على الغنائم.

ومنذ توسع بصمات فاغنر في الشرق الأوسط، أصبحت نقطة انطلاق لها القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية على البحر المتوسط. ورصدت “سي إن إن” حركة الطيران من اللاذقية لمسارح حرب أخرى، وحصلت على وثيقة اتفاق بين بريغوجين والقوة الجوية 223، واستخدامها في الرحلات الجوية. وهناك أدلة تقترح أن حالة محمد هي طرف كرة الثلج، وكشف تحقيق للشبكة، في حزيران/ يونيو، أن مقاتلي فاغنر ارتكبوا جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى. ونفت روسيا أي علاقة مع المرتزقة، مؤكدة أنهم غير مسلحين، ولا يشاركون في العمليات القتالية، ونفت كذلك حكومة أفريقيا الوسطى الاتهامات، مشيرة إلى أن تحقيقا سيكشف عن الحقيقة. وجاءت الأخبار عن الدعوى القضائية التي قدمها في آذار/ مارس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والمركز التذكاري لحقوق الإنسان في روسيا، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، متزامنة مع الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب.

وجاء في بيان للمجموعات الثلاث: “الدعوى هي غير مسبوقة، وتملأ ثغرة الإفلات من العقاب، وتحاسب الروس المشتبه بهم”، وقالت إن الناشطين السوريين وضحايا الجرائم التي ارتكبتها كل الأطراف في النزاع السوري يعملون منذ 2011 للحصول على المحاسبة”، ذلك أن هناك مساحات محدودة لهم لتحقيق العدالة، فالمحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع ممارسة صلاحيتها في سوريا؛ نظرا لعدم توقيع سوريا على معاهدة روما التي شكلت المحكمة.

وفي بحثهم عن العدالة، بات الضحايا يعتمدون على المحاكم الألمانية والفرنسية، وتطبيق مبدأ الصلاحية العامة لمعاقبة المجرمين والمشتبه بارتكابهم جرائم حرب. وفي بداية العام، أصدرت محكمة ألمانية حكما على ضابط سوري بتهم ارتكاب جرائم حرب، وهي الأولى من نوعها، ولم يتم التحرك بناء على الدعوى في موسكو، ورفضت محكمة طلبا من الصحيفة الاستقصائية نوفايا غازيتا في 2019 فتح تحقيق في حالة محمد، لم يسمع عبد الله أبدا باسم فاغنر، وكل ما يريده هو تحقيق العدالة لأخيه، ومحاسبة قتلته. وقال: “لو لم يعطهم أحد الضوء الأخضر لما قتلوه”.

مقالات ذات صلة

USA