• الثلاثاء , 23 أبريل 2024

هل يمكن إعادة تأهيل المعارضة السورية؟ عمر كوش

يشير واقع الحال إلى فشل كل محاولات إعادة تأهيل المعارضة السورية، وأن تشكيلات المعارضة لم تستجب لكل ما أثيره حولها من انتقادات ومطالب،عمر كوش ما تزال تشكيلات ومؤسسات المعارضة السورية وشخصياتها تحظى باهتمام ومتابعة سوريون كثر، بالرغم من تعرّضها لانتقادات واسعة، طاولت أداء مؤسساتها وتركيبتها وأدوار كتلها وشخصياتها السياسية، وعدم بنائها مؤسسات قوية، قادرة على تمثيل مظلة للسوريين وثورتهم، وقصور خطابها السياسي في مخاطبة جميع السوريين، إضافة إلى عدم استقلالية قرارها، وتبعيتها للقوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري وسوى ذلك كثير. ومع ذلك، تابع سوريون وقائع الزيارة التي قام بها، مؤخراً، المنسق العام السابق لهيئة المفاوضات، أو ما عرف بهيئة الرياض1، رياض حجاب، إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولقائه بمسؤولين أميركيين، حيث تناول في ندوة نظمها “معهد السياسات الدولية” بواشنطن، “تحولات المشهد السوري وآليات التعامل معها”، المعارضة السورية، ودعا “إلى إعادة تأهيلها، وإعادة تشكيل مؤسساتها، مع التأكيد على أهمية المحافظة على مؤسسات المعارضة، ولكن هذه المؤسسات بعد تسع سنوات تحتاج إلى إعادة تشكيل وترتيب من جديد لتقويتها وتوسيع تمثيلها”. وطالب بألا “تكون المعارضة طرفاً في تلك الخلافات الإقليمية”، وأن تهتم بالشأن السوري أولاً، بالرغم من أننا “بحاجة الجميع ولا مصلحة لنا أن نكون طرفاً بأي خلاف، بل أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، لنستطيع أن نقدم لشعبنا الخلاص والفرج.” ولا تخرج مطالب حجاب عما طالب به سويون كثر، منذ سنوات، تشكيلات المعارضة، وخاصة الائتلاف السوري المعارضة وهيئة التفاوض، كي تحسن أداءها وتقوي مؤسساتها، وتتخلص من حالات الترهل والتردي وتمييع المواقف، ولكن لم يلقَ كل ذلك آذاناً صاغية طوال الفترة الماضية، حتى بات السؤال المطروح هو: هل يمكن إعادة تشكيل المعارضة؟ وكيف؟ يشير واقع الحال إلى فشل كل محاولات إعادة تأهيل المعارضة السورية، وأن تشكيلات المعارضة لم تستجب لكل ما أثيره حولها من انتقادات ومطالب، بل تمادت في الامتناع عن القيام بأي عملية نقد أو مراجعة لما قامت به من أدوار، وأمعنت في تبرير خطواتها، وفي الانكفاء على ذاتها، والسبب الأساسي يعود إلى تركيبة كل من الائتلاف والهيئة، اللذين تشكلا وفق مبدأ المحاصصة بين مجموعة من القوى والشخصيات السياسية، التي تتمتع بدعم دولي وإقليمي، وجرى تسويقها كي تتصدر المشهد السياسي للمعارضة السورية، حيث تنطحت لمهمة تمثيل قوى الثورة السورية وحاضنتها الاجتماعية، لكن واقع الحال أثبت أنها بعيدة كل البعد عن الثورة وجمهورها، حيث لم تحتكم في عملها إلى مطالب وطموحات الحاضنة الاجتماعية للثورة ولا لقواها الحيّة، ولم تنل أي شرعية من طرفها. ومنذ تشكيل الائتلاف السوري المعارض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لم يتمكن من طرح نفسه كبديل حقيقي لنظام الأسد، ومن إقناع العالم بقدرته على قيادة سورية، وبرهن على أنه فاقد لقراره المستقل أمام الدول المتدخلة في الشأن السوري. كما لم ينل ما قام به من أدوار وما اتخذه من مواقف رضا جمهور الثورة السورية، بالرغم من إدعائه شرعية تمثيل هذا الجمهور، حيث تعرض إلى انتقادات واسعة من الناشطين ومن سائر المعارضين الذين لا يملكون أي وسيلة لمحاسبة شخصياته وقواه السياسية، والأمر نفسه ينطبق على هيئة التفاوض، خاصة بعد ما قدمته من تنازلات في جولات مفاوضات جنيف، ثم ضمها منصتي موسكو والقاهرة الى صفوفها، الذي اعتبر بمثابة تمييع لتركيبة المعارضة السورية ومواقفها، لأن منصة موسكو على وجه الخصوص ليست معارضة للنظام الأسدي، وتخضع لإملاءات وأجندة روسيا التي وقفت إلى جانب النظام ودعمته في حربه الشاملة ضد قوى الثورة السورية وحاضنتها الاجتماعية، وباتت تشكل قوة احتلال لسورية في نظر معظم المعارضين السوريين وسواهم. ووصل التردي في صفوف المعارضة إلى درجة أنه لا يمكن القبول بأن انتخاب نصر الحريري رئيساً للائتلاف الوطني السوري المعارض في 11 من شهر تموز/ يوليو الجاري خلفاً لأنس العبدة، الذي سبق وأن انتخب في 14 مايو / أيار الماضي بديلاً عن الحريري في رئاسة هيئة التفاوض المعارضة، كان مجرد مصادفة محضة، بل هو أقرب إلى صفقة مدبرة ومسبقة، جرى ترتيبها بين كتل وشخصيات فاعلة في كل من الائتلاف وهيئة التفاوض، تضمنت تبادل المناصب ما بين الرجلين، وغايتها ضمان استمرار هيمنتها وسيطرتها عليها. والأدهى من ذلك هو أنه لم تقدم أي مبررات أو مسوغات لعملية التبادل من قبل الائتلاف أو الهيئة. وعلى الرغم من أن تمرير صفقة تبادل المناصب بين الحريري والعبدة جرت وفق عملية انتخابية داخل كل من الهئية والائتلاف، إلا أنها كانت مجرد عملية شكلية، أثارت استهجاناً واسعاً بين السوريين والمتابعين للشأن السوري وسخريتهم، كونها حملت شخصين تنقلا بين أكثر من موقع قيادي في تشكيلات المعارضة، وقدمت دليلاً جديداً على أنها باتت مجرد وسيلة، يتم اللجوء إليها كي تتبادل الشخصيات التي تحتل مواقع قيادية في هيئات وتشكيلات المعارضة المعترف بها دولياً، المواقع والمناصب بينها. والأمر لا يقتصر على موقع الرئاسة والهيئات السياسية، بل يشمل كافة المواقع والمناصب في تشكيلات المعارضة السياسية، حيث باتت تشبه النادي أو الغيتو المغلق، الذي تحافظ فيه الكتل والشخصيات السياسية على مواقعها وامتيازاتها، ولا تسمح لقوى وشخصيات جديدة بالدخول إليه إلا بشكل محدود جداً، أو تحت ضغط خارجي ووفق آليات معقدة، لذلك تحول مغظم أعضاء هيئات المعارضة إلى أعضاء دائمين فيها، لا يخضعون للمساءلة عن أدوارهم ومواقفهم، وغير قابلين للاستبدال إلا في حالات نادرة، وهذا ما يفسر بلوغ حالات التردي والانهيار أوجهها في صفوف معظم هيئاتها وتشكيلاتها. قد يجادل بعض المعارضين بأن تركيبة كل من الهيئة والائتلاف تقتضي العمل على التوصل إلى توافقات بين الكتل السياسية المشكلة لهما، بغية تحقيق التشارك في العمل السياسي، ويرجعون ذلك إلى أن كل من الهيئة والائتلاف تشكل من مجموعة قوى وشخصيات سياسية، وهذا يقتضي بناء التفاهمات والتحالفات، لكن التفاهم شيء والمحاصصة في المناصب شيء آخر مختلف تماماً، حيث أن المحاصصة تعني توزيع المناصب بين قوى سياسية تمثل مكونات سياسية على خلفيات متعددة، بعد أن استعصى عليها الاندماج في مؤسسة جامعة وقوية، إضافة إلى أنها تقدم الدليل على أهم مؤشرات تردي هئيات المعارضة وتدهورها. وما يفاقم مشكلة المعارضة السورية هو أن عملية تبادل المناصب وتغيير المواقع ستزيد من تهافتها وتدهورها، ولن يخدم القضية السورية، لأن محصلة التبادل صفرية على الدوام، فيما يخص السير باتجاه دعم القضية ونصرتها، ونحو الخلاص من الوضع الكارثي، إضافة إلى أنها تزيد من عدم قدرة تشكيلات المعارضة على التوصل إلى بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، تضع فيها رؤية استراتيجية مشتركة، وتشكل قطباً سورياً، يوحد جهود القوى الطامحة للتغيير في سورية، ويرتب العلاقات مع القوى العربية والدولية، ولا يخضع للاملاءات الأقليمية والدولية، لكن أسباباً عديدة كانت تعرقل الوصول إلى ذلك خلال السنوات السابقة، لعل أهمها العجز عن قيام المعارضة بالتأثير الفاعل في الأحداث، وعدم ابتعادها عن المحاصصة، فضلاً عن غياب برنامج تغيير سياسي واضح لدى معظم قوى وأحزاب المعارضة، وتركيزها على المسائل الضيقة للكتل والشخصيات الممثلة لها، والسعي الدائم لتحويل العمل السياسي إلى استثمار شخصي. وهو ما تستغله القوى المتدخلة في الشأن السوري، كي تتحكم في القرار السوري وتمسك بالقضية السورية، وتستثمر فيها لحساب مصالحها وأجنداتها، وتظهر للعالم أجمع أن المعارضين السوريين هم مجموعة من الانتهازيين والفاسدين الطامحين بالسلطة، ولا يهمهم تطلعات السوريين في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي. وإذا كان للقوى الخارجية المتدخلة في الشأن السوري دور في إطالة أمد القضية السورية وتفاقم الكارثة التي ألمّت بهم بسبب حرب النظام، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع على قيادات المعارضة السورية، التي لم تستثمر الفرص التي اتيحت أمامها للعمل على تحقيق مطامح السوريين، ولم تعمل على تجيير علاقاتها الإقليمية والدولية لصالح القضية السورية، وليس لصالح استثماراتها الشخصية والحزبية، بل راحت تنشغل بترتيبات وصفقات للاستحواذ على المناصب والمواقع داخل هئياتها، بدلاً من بناء مؤسسة قوية تشكل مظلة للسوريين الطامحين إلى الحرية والخلاص من نظام الاستبداد الأسدي، وبالتالي كيف يمكن إعادة تأهيل المعارضة السورية؟عمر كوش -كاتب سوري

مقالات ذات صلة

USA