• الأربعاء , 24 أبريل 2024

ميشيل كيلو :عن إصلاح الائتلاف

لا مفر من إصلاح الائتلاف، وهذا ما يؤمن به ويدعو إليه كل عارف بأحواله وأحوال الطرف المقابل للأسدية، سواء أكان مدنيًا أم عسكريًا، عاملًا في الإغاثة أم يحتاج إلى من يغيثه.طالما أن الائتلاف ليس في وضع طبيعي، ومثله المؤسسات المتفرعة عنه -على الرغم من أنه محسوب على الشعب الذي قام بثورة قبل ولادته بعام ونصف- وطالما أنه طرف في قضية ضحّى ملايين بكل شيء من أجل انتصارها، فإن إصلاحه، بوصفه جزءًا من إصلاح العمل الوطني، يصبح أمرًا على قدر عظيم من الأهمية، ويجب أن يُولى اهتمامًا خاصًا من جميع المعنيين بالشأن السوري، وألّا يُترك لمسؤولي الائتلاف إن رأووا فيه شأنًا خاصًا بهم أو يهمهم وحدهم. أما المشاركة التي أعنيها، فلا بدّ أن تغطي كل جوانب الإصلاح الوطني المطلوب، من تحديد موضوعاته إلى تحديد آلياته ومستوياته التنظيمية والإجرائية، ومن ضمنها الائتلاف نفسه، وصولًا إلى صياغة عقد وطني ملزم له ولغيره من العاملين في الحقل السياسي، أينما كانت مواقعهم ومهما تنوعت خياراتهم، فيتوافقون على كون العمل الوطني شأنًا عامًا يتوقف عليه مصير كل مواطن سوري، وعلى إصلاح الائتلاف بحيث يغدو أداته الفاعلة والرئيسة، لكن إصلاحه وحده يبقي العمل الوطني على حاله الراهنة من التفكك والتشرذم والارتجال، ويفضي إلى فشله.نُشرت تسريبات حول جهودٍ تعتزم رئاسة الائتلاف الجديدة القيام بها، قيل إنها ستركز على فتح حوار موسع مع أطراف متنوعة لا تنتمي إليه، من أجل تشخيص الواقع القائم، والبحث عن حلول للمشكلات التي تعطل عمله وتمثل حاجزًا يفصله عن القطاعات الشعبية الواسعة، ينطلق من نقله إلى واقع سياسي يستجيب لحاجات النضال، ويرتقي به إلى صعيد ثوري يخرج الطرف المعارض من التردي الذي انحدر إليه، على الصعد السياسية والعسكرية والتفاوضية، على الرغم مما سيلاقيه القائمون بمشروع إصلاحي كهذا من مصاعب ومتاعب، وما سيخوضونه من معارك مع الذات والآخرين.وقد نُشرت رسالة تسمي المسائل التي قيل عنها إن الائتلاف يريد الحوار حولها، بدلًا من إرسال ورقة تفصيلية تبين وجهات نظره حيال القضايا المطروحة على العمل الوطني العام، تتطرق إليه وتعدد نقاط قوته وضعفه، وتقف عند افتقاره إلى خطط وبرامج تتوافق عليها نخب التيارات السياسية المعارضة، وتحظى بقدر واسع من الإجماع الوطني والشعبي، لضرورتها في بناء قيادة موحدة تتمتع بطابع مرجعي بالنسبة إلى العاملين في الحقلين السياسي والعسكري، على أن ينهض على الوطنية كهدف جامع، يرى المعارضُ والثائر شخَصه وانتماءه الحزبي والسياسي والمذهبي بدلالته، كتعبيرٍ لا تعبيرَ سواه عن ثورة الحرية، بدلًا من أن يرى سورية وشعبها وثورتها ومصيرها من خلال انحيازته الشخصية أو الحزبية والفئوية، كما حدث كثيرًا حتى هذا اليوم، فقد يتيح نجاحنا المحتمل الفرصة لإقامة تنظيم يضم أفرادًا منتخبين أو منتدبين، يعملون في مجال تداولي ومنضبط، تتجدد بواسطته قدرات الائتلاف ومؤسساته، ويتحول إلى تعبير عن إرادة السوريين العامة حيثما كانوا، وإلى سلطة بديلة عن الأسدية. تلك الورقة ضرورية لنقل الحوار من صعيده التشاوري، غير الملزم، إلى صعيده التنفيذي الملزم، فالتشاور، في صيغه التي جربناها كثيرًا، لن يكون إلا تكرارًا لمحاولات فاشلة صفرية العائد، جرت وراء أبواب مغلقة، وفي دائرة محدودة من أشخاص تم اختيارهم لأنهم لا “يوجعون رأس” من دعاهم، ينتهي بنهايته كل شيء، كأنه لم يحدث. لا بد من ورقة، تُنشر وتُناقش على أوسع نطاق ممكن بانفتاح ومسؤولية، على أن تُصاغ وتعتمد مخرجات الحوار حولها كبرنامج عمل مُلزِم ضمن تحقيب زمني معلن، فمن المستحسن أن لا يجري وراء أبواب مغلقة وفي إطار ضيق، وأن يتم نقله أولًا بأول إلى الرأي العام ما دامت عموميته وعلنيته دليل جدية الداعين إليه والمشاركين فيه الذين يعلمون أنهم ليسوا مدعوين للمشاركة في لقاء أو مهرجان كلامي، بل سيكونون أمام مهمة وطنية ذات نتائج فكرية وسياسية تطبيقية، ومن طرازٍ تحتاج سورية إليه جدًا، ويتوقف عليه خروجها من مأزقها العصيب الراهن. إلى جانب الورقة، التي يجب أن تعبّر عن وجهة نظر الائتلاف في الوضع الراهن، وعن سبل معالجته، لا بدّ من التخلي عما قيل حول توسعة الائتلاف على أرضية المحاصصات الطائفية، التي لعبت دورًا أسهمَ في تقويض الثورة. تقول الأخبار إن الائتلاف سيضم إلى صفوفه أعضاء علويين ودروز … الخ. إن صح هذا، فسيكون من العبث الحديث عن الإصلاح والمشاركة في الدعوة للقاءاته، بعد تجربة السوريين الكارثية مع المحاصصات، وخصوصًا المحاصصات الطائفية. ألا يرى قادة الائتلاف ما يدور في لبنان والعراق من ثورة شاملة على الطائفية وزمانها وبلاياها؟ ألا يفهمون معنى الجهد الذي يبذله المجتمعان العراقي واللبناني لتخطي الاحتجاز الطائفي؟ وهل يعتقدون أن مرضه يعود إلى نقص التمثيل الطائفي فيه، أم أنه مريض بتمثيل كهذا، ولن يبرأ من مرضه حتى يتحرر منه ويعتمد معايير تمليها الحرية وثورتها، تتنافي مع الطائفية، وتنضوي جميعها تحت حيثية الوطنية، وتربط العضوية فيه بالجدارة السياسية والشخصية، وليس بالانتماءات الشخصية الدنيا المجافية للمساواة بين السوريين.في الختام، إذا كان الائتلاف يعتقد أن إصلاحه يعني القفز عن القضايا، التي هشّمه تجاهلها وعجزُه عن التعامل بجدية وإيجابية معها، وإذا كان يوهم نفسه أن الدعوة للقاء تشاوري ينتهي مفعوله بنهاية انعقاده، وأن استكمال تمثيل الشعب سيكون تامًا وديمقراطيًا في حال ضم خمسة أو ستة ممثلين ممن يسمونهم “الأقليات”، فإنه سيكون على ضلال عظيم، وأرجّح أنه لن يتفاعل بإيجابية مع دعوته أحدٌ من الذين يعون حجم مشكلاته وما ألحقه من ضرر بالعمل الوطني، وإن لقاءه التشاوري سيكون ضربًا من الضحك على الذات، لأن أحدًا لن يسكت على قباحة المحاصصة الطائفية التي سيكون هدفها التعايش مع مشكلات سورية وليس حلّها، واحتواء بعض الراغبين في الانضمام وليس التخلص من حِمل ينوء كاهل سورية به، تجسدّه العوالق والمستحاثات السياسية من أعضائه الذين غيّبوا الشعب عن ثورته بقدر ما احتكروا الائتلاف وغرّبوه عنها، ولن يعود السوريون إلى دورهم المطلوب في الشأن العام من دون إخراجهم من الائتلاف.

مقالات ذات صلة

USA