• الخميس , 25 أبريل 2024

ميشال شماس يكتب: عن خليل معتوق ضمير السوريين

على الرغم من مضى خمسة أعوام وأربعة أشهر على اعتقال صديقي وأستاذي المحامي خليل معتوق لم أستطع أن أنساه، وكيف لي أن أنساه وهو الذي فتح لي مكتبه وقلبه وأخذ بيدي في مهنة المحاماة، وزادني بعلمه وخبرته الكثير الكثير؟ وحتى عندما نلتُ لقب أستاذ في المحاماة فتح لي مكتبه كشريك له لأنخرط معه كلياً في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان السوري وحرياته..

انحاز خليل معتوق مبكراً للدفاع عن المظلومين والمضطهدين، ولم يكن انحيازه صدفة، فقد كان لانتمائه المبكر الى الفكر اليساري تأثيراً كبيراً في انحيازه لحرّية الأنسان وكرامته، في وقت تخلّى فيه الكثير من اليساريين عن شعاراتهم الفضفاضة وانتظموا في صفوف المدافعين عن الديكتاتورية، وعندما شعر أن انتمائه إلى الحزب الشيوعي السوري بدأ يحدُّ من طموحاته الانسانية ومن استقلالية قراره في العمل الانساني والدفاع عن المعتقلين السياسيين، حزم أمره دون تردد وأعلن انسحابه من العمل الحزبي، ليتفرغ مستقلاً بشكل كامل ونهائي للعمل في مجال الدفاع عن حقوق الانسان.

لقد ربطتني به أمور كثيرة، فكلانا ينحدر من الريف الغربي لمدينة حمص، ونحمل نفس الهموم والطموحات، وامتلكنا سوّية روح التمرد على سياسية الحزب الشيوعي السوري، لتكتمل حكايتنا معاً بدراسة القانون في جامعة دمشق. وشاءت الظروف أن يتخرج “خليل” من الجامعة قبلي ويصبح محامياً بارزاً. بينما انشغلتُ في تأمين معيشة عائلتي. ومع ذلك استمرت علاقتي به، لابل توطدت أكثر، وكنت أزوره اسبوعياً في مكتبه بشكل دائم، وأساعده أحياناً في كتابة المذكرات على الآلة الكاتبة. وكان هو يشجعني باستمرار على الدراسة، ويقول لي: ” مكانك محجوز في المكتب يا ميشال ولكن ليس لوقت طويل فعليك الاجتهاد والنجاح والحصول على الشهادة دون تأخير”.

زيارتي المتكررة والدائمة إلى مكتب الاستاذ خليل سمحت لي بالاطلاع على الكثير من ملفات وقضايا معتقلي الرأي والضمير التي كان يتولى فيها الدفاع عنهم أمام محكمة أمن الدولة العليا السيئة الصيت. وقد لفت انتباهي ذلك العدد الكبير من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير الذين كان يدافع عنهم، معتقلين سوريين ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية والاثنية، عرباً وأكراداً وأرمن وأشوريين، مسيحيون ومسلمون، شيوعيين وناصريين وإسلاميين وبعثيين ونشطاء حقوق إنسان، وكان هناك أيضاً أسماء لعشرات المعتقلين من الفلسطينيين واللبنانيين والاردنيين.

قبل اعتقاله بيومين شاركنا سويّة في تشيع مهيب للشهيد الدكتور أسامة بركة في جرمانا الذي استشهد بعد الإفراج عنه من سجون المخابرات الجوية عام 2012، وكان قد سبقه الى الاعتقال بحوالي عشرة أيام الدكتور عبد العزيز الخير ورفيقيه ماهر الطحان وإياس عياش.

بعد حوالي شهرين من الاعتقال وبالصدفة أثناء وجودي في ديوان التحقيق بعدلية دمشق تعرفت على شابين أفرج عنهما للتو، بادرتُ فوراً بسؤالهما عن احوالهما وأين كانا معتقلين؟ اجابا أنهما كان معتقلين بفرع أمن الدولة، وسألتهما إن كانا قد شاهدا أو سمعا باسم الاستاذ خليل معتوق فردا بالإيجاب، وعندما طلبت منهما وصف شكله كي أتأكد من كلامهما، قال أحدهما: ” سمعنا باسمه قبل إطلاق سراحنا بقليل وقد فرحنا بذلك، حيث كنا ننتظر قدومه إلى مهجعنا لكي نسأله كيف نتصرف عندما يستجوبنا القاضي، ولكن للأسف لم يُسمح لنا بالتحدث إليه، فقط استطعنا مشاهدته لدى دخوله إلى المهجع وقد بدا طويلاً وأسمر اللون وشعره أبيض، وبعدها بخمس دقائق نودي علينا وأخذونا إلى القصر العدلي “.

أتصلت بالأستاذ أنور البني وأخبرته بأمر الشابين، فحضر فوراً، حيث سمع ثانية من الشابين قصة مشاهدتهما للأستاذ خليل معتوق في فرع امن الدولة رقم 285 ، وفي اليوم الثاني تقدمت بوكالتي عن الاستاذ خليل بطلب إلى المحامي العام الأول بدمشق لبيان مصير الاستاذ خليل معتوق بعد المعلومات المؤكدة التي تفيد أنه معتقل لدى فرع أمن الدولة بدمشق، وجاء الرد بعد شهرين من الفرع 285 نافياً وجوده لديهم. عندها دخلتُ والاستاذ أنور البني إلى مكتب المحامي العام الأول وطلبنا منه أن يوعز إلى الفرع 285 بالإفراج عن خليل معتوق أو إحالته للقضاء، فأجابنا المحامي العام الأول هل لديكم أدلة على ذلك وعرضنا عليه أدلتنا فرفض الاستجابة لطلبنا معللاً رفضه بأنه يريد دليلاً ملموساً، عندها قاله له الاستاذ أنور بصوته المرتفع : ” أنت محام عام أول ومن واجبك أن تخاطب أي جهة وتأمرها، ولكن يبدو أنك تخاف ولا تتجرأ على ذلك ” انزعج المحامي العام من كلام الاستاذ أنور واحمّر وجهه خجلاً وصمت قليلاً قبل أن يقول لنا: “انتهت المقابلة”.

الحديث عن اعتقال المحامي خليل معتوق لا ينفصل أبداً عن الحديث عن مأساة ومصير عشرات الالاف من المعتقلين الذين سعى للدفاع عنهم بكل قوة حتى لحظة اعتقاله بتاريخ 2/10/2012 مع رفيقه محمد ظاظا وانضمامهما معاً إلى قائمة المعتقلين الطويلة، وقد سعينا ومازلنا نسعى جهدنا لمعرفة مكان اعتقالهما أوعلى الأقل معرفة ظروف وأسباب اعتقالهما دون جدوى في ظل اصرار نظام الأسد على التكتم على مسألة اعتقالهما ورفض الافصاح عن أية معلومة عنهما كما هو حال عشرات الآلاف من السوريين والسوريات الذين يرزحون في أقبية وزنازين المخابرات السورية، في الوقت الذي لم يجد فيه نظام الأسد أي حرجٍ في إطلاق سراح من أجرم بحق الشعب السوري…!! اصبح يمثل ضمير كل سوري وسورية، وكل إنسان يتطلع نحو الكرامة والحرية وهو الذي دافع متطوعاً على امتداد أكثر من عشرين عاماً عن حرّية الآلاف من معتقلي الرأي والضمير والمعتقلين السياسيين أمام المحاكم السورية، دون أن يكلّ أو يملّ، ولم يمنعه المرض من متابعة رسالته الإنسانية حتى لحظة اعتقاله بتاريخ 2/10/2012 مع رفيقه محمد ظاظا.

مقالات ذات صلة

USA