• الخميس , 25 أبريل 2024

مجلّة صور تحاور الكاتب والمعارض السوري علي العبد الله

الثورة في سوريا، ثورة شعبيّة كاملة الأركان، لم تنجح المعارضة في ملاقاتها والانخراط فيها، بل سعت لاستثمارها في سياق أفكارها وبرامجها القديمة. إن الحلّ المنطقي للقضية الكردية هو قيام دولة كردية مستقلّة، ولكن هذا الحل يحتاج إلى جهود كردية جبّارة وإلى قبول إقليمي ودولي يبدو أنه ليس متوفّراً”

*حاوره : سردار ملا درويش

كاتب معارض، شارك في نشاطات المعارضة منذ عام 2000، تعرّض خلالها للاعتقال والسجن عدّة مرّات، يكتب في الصحف والمجلات العربية.

تجربتا “ربيع دمشق” و”إعلان دمشق” قبل الثورة السورية بُنِيَتْ عليهما آمال، لكن كتجربتين لاقتا الفشل، حتى أن وجود “إعلان دمشق” مع بداية الثورة عمّق فشله، أقلها تعرضه للانشقاق، لماذا برأيك؟.

أولاً يجب التمييز بين التجربتين،”ربيع دمشق” كان موجة أولى، بعد سبات طويل، لكسر احتكار السلطة للسياسة عبر العمل على إطلاق تحرّك سياسيّ وإقناع الشارع بالانخراط فيه، أطلقت الموجة وقادتها “لجان أحياء المجتمع المدنيّ”، وقد نجحت المحاولة نسبيّاً في تحريك المياه الراكدة، وهذا أثار ردّ فعل عصبيّ وعنيف من النظام الاستبدادي(نتذكّر كلام خدام في جامعة دمشق واتّهام الحراك بالسعي لجزأرة سوريا وصوملتها).

لكن المحاولة تراجعت ولم تنجح في إطلاق موجة ثانية بفعل عاملين، أول مفهوم: ردّ النظام وحملة الاعتقالات، وثانٍ، غير مفهوم أو مبرّر، ردّة فعل أحزاب المعارضة، وخاصة التجمّع الوطني الديمقراطي، التي استقبلت “اللجان” بعدائية واضحة وتعاملت معها على أنها بديل محتمَل لها ومحاولة لسلبها دورها الطبيعي، أطلق أحد قادة التجمع على “لجان إحياء المجتمع المدني” وصفا تحقيريّاً: لجان الدفاع المدني.

إعلان دمشق قصّة أخرى مختلفة، نشأ الإعلان بالتداعي أكثر منه بالتخطيط الواعي. بدأ بطرح فكرة إصدار بيان في اجتماع للجنة الإعلامية في “لجان إحياء المجتمع المدني” تحت عنوان “إعلان دمشق” يحدّد مطالب المعارضة السورية، كمحاولة لإبراز التمايز بين المعارضة والنظام، وللضغط على الأخير للتعاطي مع هذه المطالب، حيث كان يعدّ لعقد المؤتمر العاشر للحزب الحاكم. حُملت الفكرة إلى أحزاب المعارضة كي تُدرس، وإذا تمّ الاتّفاق عليها يُصاغ بيان توقّع عليه القوى السياسية السورية المعارضة، ذهب النقاش حول الاقتراح باتّجاه توسيع الفكرة بحيث لا تكتفي قوى المعارضة بالبيان السياسي، بل وتشكّل تجمّعاً سياسيّاً كحامل للبيان العتيد وللعمل على تنفيذه، وهذا ما تمّ، وهذا أفرز تجمّعاً أُسّس على عجل، وصيغ البيان التأسيسيّ تحت ضغط الوقت وسعي أحزاب المعارضة للإمساك بالمبادرة ودفع “لجان إحياء المجتمع المدني” إلى الخلف.

وقد برزت تباينات مباشرة بعد إعلانه، حيث أُعلنت تحفّظات عليه فعُدّل، وأثار التعديل ردود فعل سلبية زادت الطين بِلّة. لعبت الولادة القيصرية، والصراع والتنافس بين الأحزاب على الحصص والأدوار والمواقع في إضعافه، وجاءت حملة الاعتقالات عام 2007 لتشلّه وتحدّ من قدراته على تنفيذ برنامجه للتغيير الديمقراطي، كما شهد قبيل انطلاق ثورة الحرية والكرامة انسحاب شخصيّات مستقلّة، ممّا أفقده جزءاً كبيراً من قدرته على التأثير في مجريات الثورة.

هل كانت تركيبتا “ربيع دمشق” و “إعلان دمشق” وبناؤهما مرتبطتين بطبيعة القوى التي أسّستهما، خاصة ونحن نعلم بوجود تناقضات بين تلك القوى، وإلى أي حدّ لعبت التجربتان دوراً مؤثّراً على السلطة؟.

من الطبيعيّ أن تكون تركيبة أيّة جماعة، سياسية أو فكرية أو فنية، مرتبطة بالقوى التي تؤسّسها ان من حيث الفكر أو من حيث الكفاءات والإمكانيات والاستعداد للعمل الجاد والتضحية. أمّا تأثيرها على السلطة فلم يكن كبيراً في ضوء عدم أخذها الفرصة للمحاولة، عاجلتها الاعتقالات، وكبّلتها التباينات التي انطوت عليها.

لو تعمّقْنا أكثر، لماذا فشلت المعارضة السورية في المرحلتين، قبل وأثناء الثورة السورية، في أن تكون معارضة حقيقية وتحقّق أيّ إنجاز؟ وفي حال موافقتك على أنها فاشلة ما هي أسباب الفشل في رأيك؟

كل معارضة غير مصنّعة هي حقيقية، وليس لذلك علاقة بالفشل والنحاج، لأن لهما أسباباً موضوعية تبدأ من صحّة الفكرة وقدرتها على استقطاب وتأييد شرائح اجتماعية وازنة، إلى قدرة القيادة والكوادر على صياغة خطط عمل وتكتيكات ناجحة، وقدرتها على تنفيذها عمليّاً، وصولاً إلى المناخ السياسي والاجتماعي السائد الذي يسمح أو يعيق إطلاق حراك مجتمعيّ، أو ثورة، في ضوء هذه الأفكار والبرامج. أما الفشل فأعتقد أنه نجم عن انعدام القدرة على التكيّف مع المتغيّرات التي أطلقتها الثورة، حيث بقيت المعارضة على ما تربّت عليه وحدّدته لنفسها في لحظة كانت تستدعي خلع النهج القديم والتحرّك في وسط ومناخ مختلف بطرق تناسبه.

مع استلام بشار الأسد للسلطة نادى بالانفتاح وتحدّث عن التحديث والتطوير، لكن انطلقت في فترة حكمه ثورة في سوريا، فهل انبثقت الثورة من الذات السورية أم انبثقت بتأثيّر الربيع العربي؟.

كان طرح “التحديث والتطوير” وعداً بتغيير في البلاد، لكنه في التطبيق ذهب في اتّجاهات تتناقض مع الشعارات المرفوعة، اتّجاهات غير مقبولة وعلى الضدّ ممّا كانت البلاد تحتاجه: اقتصاد السوق تحت مسمّى خادع اقتصاد السوق الاجتماعي،تراجع الإنتاج، الفساد والمحسوبيّة، التمييز بين المواطنين والمناطق بالمشاريع والاستثمارات ..إلخ.

وهذا عمّق الاحتقان والتوتّرات الاجتماعية، وجاءت موجة الربيع العربيّ فأكملت الشروط الذاتية للثورة. لو طلبنا منك أن تُجمل خمس سنوات الثورة السورية، فكيف ستراها وتوصّفها؟.

ثورة شعبية كاملة الأركان، لم تنجح المعارضة في ملاقاتها والانخراط فيها، بل سعَت لاستثمارها في سياق أفكارها وبرامجها القديمة. ولعلّ أهمّ ما فيها ما كشفته عن صلابة الشعب واستعداداته الكبيرة للتضحية، وهذا ما عجزت المعارضة عن قراءته قبل وأثناء الثورة والعمل عليه وتوظيفه في تحقيق مطالب الشعب في الحرية والكرامة، وهي، الاستعدادات، ظاهرة سيكون لها تأثير واضح على المستقبل، حيث لن يقبل الشعب بتجاهله أو تجاهل مطالبه مرة أخرى، وهذه ميزة يمكن البناء عليها.

المعارض والمثقّف السوري فشلا في قيادة الثورة السوريّة، بل باتا مجرّد لعبة بأيادٍ محلّية وإقليمية ودولية. هل لك أن تحدّثنا عن تأثيرات ذلك في جسم المعارضة وتوجّهاتها في القضية السورية؟.

لاشكّ أن التبعيّة لجهة خارجية، وبغض النظر عمّن تكون، لها مترتّبات سيّئة على الفرد والجماعة والقضية: ضياع الاستقلالية والتحرّك وفق توجيهات القوى الخارجية والخضوع لمطالبها وترك المطالب الوطنية.

للأسف لم ننجُ من داء التبعية، ربما لأننا وجدنا أنفسنا في موقف دقيق وحسّاس: حاجتنا إلى إنجاز مطالب الثورة، ودور الخارج في إسقاط الطغاة في تونس ومصر وليبيا وفي فترة قياسيّة، قبل أن تظهر للعيان سلبياته، ولّد انطباعاً خاطئاً بوجود قرار إقليمي ودولي بإنجاح ثورات الربيع العربي، فاعتقدنا بأن الوضع في سوريا لن يكون خارج هذا التوجّه، وسرنا في ركاب هذا الاعتقاد الخاطئ وحصل ما حصل.

يُعدّ علي العبد الله من الإسلاميين المعتدلين. يتمّ وصفك بأنك معتدل بشكل عامّ تُجاه القضايا السياسية وتمتلك رؤية متوازنة، فكيف ترى ظهور التيارات الإسلامية في الثورة السورية، وعوامل ظهورها، وما هي خطورتها أيضاً ؟

. أنا مسلم متديّن ولست إسلاميّاً، لي فهمي للإسلام مبنيّ على نصوص القرآن الكريم، فهم يقودني إلى التمسك بالعدالة والمساواة بين البشر والتسامح مع المختلف وقبول الآخر والتفاعل مع التحديث الذي ينتجه العلم والمجتمعات المعاصرة. ظهور التيارات الإسلامية في الثورة السورية طبيعيّ، الإسلام عقيدة غالبية السوريين، الأحزاب والحركات الإسلامية موجودة من قبل وخطابها له جاذبية كون الإسلام ينطوي على توجيهات لمواجهة الظلم وإحقاق الحقوق … إلخ من جهة، والعنف الذي واجه به النظام التظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير ردّت عليه الأحزاب والحركات الإسلامية، وقدّمت تضحيات كبيرة فزادت في جاذبيّتها من جهة ثانية، ووجود أحزاب وحركات إسلامية في الدول العربية والإسلامية، في السلطة أو خارجها، ومنها من يتبنّى “الجهاد” العالمي، صبّت قدراتها وإمكانيّاتها في دعم الأحزاب والحركات الإسلامية السوريّة من جهة ثالثة. دول عربية لا تريد ثورة ديمقراطية دعمت حركات الإسلام السياسي حتى تمسك بالثورة وتبعدها عن مطالبها الديمقراطية من جهة رابعة. نحن أمام حالة مركّبة، نحن، ولاعتبارات تاريخية وتكوينيّة، في قبضة الإسلام، ونحن، لاعتبارات فقهيّة تقليدية ومتشدّدة، ضحية الجماعات الإسلامية، وعلينا البحث عن مخرج يُثبّت الإيجابيات ويخفّف السلبيات إن لم يقضِ عليها.

هذه التيارات الإسلامية بكل تفرّعاتها، إلى أي حدّ من الممكن أن تكون جزءاً من الحالة السورية مستقبلاً؟.

هذا يتوقّف على طبيعة النهاية التي ستستقرّ عليها الأوضاع: حسم عسكري أم حلّ سياسي توافقيّ، كما هو مطروح الآن في القرارات الدولية،وهو الأرجح، وبما ستطرحه القوى السياسية الإسلامية على طاولة المفاوضات داخل المؤتمر الوطنيّ العام وهيئات المرحلة الانتقالية التي تضمّنتها هذه القرارات.

فإن لعبت دوراً إيجابياً في إنجاح المرحلة الانتقالية وتقاطعت في ما تطرحه مع التوجهات العامة لإقامة نظام ديمقراطي عادل وتشاركي، فيمكن أن تكون جزءاً من المشهد السياسي، أمّا إذا غرّدت خارج السرب فستتحوّل إلى مشكلة وتكون خارج الحياة الوطنية ويكون على البلاد والعباد مواجهتها.

علي العبد الله صديق القضية الكردية. لديك مواقف توصف بالمميّزة تجاه الكُرد، حتى أن لديك معرفة عميقة بقضيّتهم، حيث تكتب عادةً بعمق عنهم، برأيك ما هو الحلّ المناسب للقضية الكردية في سوريا؟.

لعلّ تجربتي الشخصية، كوني عشت في مدينة القامشلي طفولتي ومراهقتي وبداية وعيي السياسي(1955 – 1970)، واحتكاكي المبكر بالكُرد والقضية الكردية، شكّلت عواطفي الإيجابية تِجاههم، وعمّق وعيي السياسي اللاحق هذه العواطف وحوّلها إلى قناعة،زادها رسوخاً إيماني بالعدالة والمساواة التي تقول بها قناعاتي الدينية والسياسية،وخاصة نظرتي إلى الحاضر والمستقبل وحاجة بلادنا إلى الاستقرار والأمن والسلام، كي تنهض من ضعفها وعجزها وتحقّق تنمية توفّر لمواطنيها حياة كريمة تسمح لهم بالإحساس بالأمان والجدوى فتنطلق قدراتهم الإبداعية، وهذا لن يتمّ ما لم نتّفق على أسس النظام والعقد الاجتماعي الذي سيحكمه،ما يستدعي إقامة حياة وطنية قائمة على الرضا تسمح بالتفاعل والاندماج الوطني.

وعليه أرى أن الحلّ المنطقي للقضية الكردية هو قيام دولة كردية مستقلة، أسوة بكل أمم الأرض، ولكن هذا الحلّ يحتاج إلى جهود كردية جبّارة وإلى قبول إقليمي ودولي يبدو أنه ليس متوفّراً في هذه اللحظة السياسية، ما يدفعنا إلى التحرّك على صعيد الممكن، وهو ليس سهلَ المنال كذلك، لكنّ صعوبته أقل بكثير من صعوبة قيام دولة كردية في هذه المرحلة، والعمل مع القوى المحلّية من أجل توفير قاعدة لحلّ مرحلّي قائم على الاعتراف بالتعدّد القومي في سوريا، والاعتراف بحقّ القوميات والإثنيات في تقرير مصيرها، واختيار النظام المناسب لتجسيد هذا التوجّه داخل الدولة السوريّة: لامركزيّة موسّعة، حكم ذاتي، فدرالية، كونفدرالية. وتمكينها، القوميّات والإثنيات، من المشاركة في صياغة النظام السياسي وفي صنع القرارات الوطنية على قدم المساواة، دون عراقيل تستوحي الحجم والعرق والدين،وهذا ينطبق على التركمان والآشوريين كذلك. تركيزي الرئيس على إنجاز الحلّ بالتفاهم والتوافق عبر حوار جادّ كي نُبقي على المشتركات التي بيننا حيّة ولا نحوّل علاقاتنا إلى علاقات عدائية فتدخل شعوبنا في حروب لا تنتهي.

إذا انطلقنا من الحالة السورية (بصورتها الراهنة) ما هي التنبّؤات التي تراها في المستقبل؟.

مازلنا في مخاض عسير وطويل ما يجعل التنبّؤ شديد الصعوبة، لكن ثمّة استنتاج لا يمكن إلا تثبيته، وهو أن الشعب الذي خرج من أجل الحرية والكرامة ودفع كل هذه الأثمان الباهظة لن يسمح بذهاب تضحياته هباء.

سؤالنا الأخير: تعيش سوريا اليوم في صراع دولي، وتأثيرات إقليمية، ما نريده هو الرؤية الإقليمية والدولية حول الصراع السوري، ولمَ لا يوجد موقف واضح حتى الآن، مقابل تمسّك الروس وإيران بالنظام حتى اليوم؟.

رأيي أن الموقف واضح، بل وشديد الوضوح،كل الدول المنخرطة، والتي ستنخرط في الصراع، تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة أولاً، ثم تنظر في لوحة مصالح الدول المنخرطة في الصراع وفي كيفية التوفيق بين المصالح المتناقضة، وهنا يلعب ميزان القوى والقدرة على تحمّل كلفة استمرار الصراع في تحديد الحصص، وتعاطيها مع مصالح الشعب السوري، ومطالب الثورة، يأتي في هذا السياق، ويحدّد حجمها وتجسيدها في ضوء حضورنا الفاعل في معادلة الصراع على الأرض وعلى الساحة السياسية..

مقالات ذات صلة

USA