سراب روجافا

ترافق استئناف النزاع بين حزب العمّال الكردستاني والحكومة التركيّة، في صيف عام 2015، بتوسّع “روجافا” على طول الحدود التركيّة السوريّة، تمّ هذا التقدّم، وبالتأكيد، على حساب الأراضي التابعة لداعش، ومع دعم مختلف الأشكال من الولايات المتّحدة الأميركيّة، لكنّ ذلك التوسّع قاد إلى عمليّات “تطهير عرقي” حقيقيّة على حساب السكّان غير الأكراد. بتوسيع سيطرته على الأراضي، قام حزب العمّال الكردستاني بوضع الأغلبية من السكّان، والتي كانت في معظمها كرديّة في الأصل، تحت سيطرتها، هذا من دون احتساب الأصوات المعارضة، من بين أكراد سورية أنفسهم، والتي تمّ خنقها وقمعها بشكلٍ صريح ومن دون أيّ اعتبار.

في كانون الأوّل/ ديسمبر 2015، وفي مقابلة جديدة مع جريدة “اللوموند”، صرّح بايق، ومن دون استياءٍ مفرط، أنّه “قد تمّ إسكات أوجلان”، وأكّد أنّ “الحرب الأهليّة التي تدمّر تركيا ستتفاقم”. وبرأيه، أيضًا “أنّ التطوّرات في كلٍّ من تركيا والعراق وسورية تكشف عن النزاع نفسه”.  يتشكّل ذراعه الحربي في سورية من “قوّات سورية الديمقراطيّة”، وتُعدّ تلك التسمية تلطيفًا لميليشيا تتحكّم بها “التشكيلات العسكريّة الكرديّة السوريّة”، والتي تعدّ بذاتها “انبعاثًا لحزب العمّال الكردستاني”، وذلك حسب مقالة نُشرها مؤخّرًا مراسل صحيفة اللوموند هناك من على أرض الميدان.  إنّ هدف بايق المؤكّد هو إتمام السيطرة على أراضٍ متّصلة على الحدود الجنوبيّة لتركيا، وذلك لتعزيز حرب العصابات في تركيّا نفسها، والذي يُعدّ هدفه الإستراتيجيّ.

يجب علينا قراءة التطوّرات الحاصلة في الأشهر الأخيرة من ذلك المنظور؛ فقوّات سورية الديمقراطيّة، التابعة لحزب العمّال الكردستاني، وبدلًا من أن تنطلق لمهاجمة مدينة الرقّة، والتي تعدّ “عاصمة” داعش في سورية، التفّت وذهبت في اتّجاه منبج، والتي تحرّرت في آب/ أغسطس 2016 بثمنٍ باهظٍ دفعه السكّان المحلّيّون؛ وإلى الغرب من ذلك، شارك أتباع بايق في حصار نظام الأسد للأحياء الثائرة في مدينة حلب، الحصار الذي تمّ كسره بهجومٍ مضادٍّ للثوار، حصل ذلك أيضًا في آب/ أغسطس. كنتُ قد اقترحتُ، أيضًا، من على هذه المدوّنة، في أيّار/ مايو، أنّ حزب العمّال الكردستاني يقوم بإنهاك قواه بمشاركته الفاعلة في الكفاح ضدّ الجهاديّين، وأنّ نواياه التوسعيّة قد قلبت شركاءه القدامى ضدّه، كموسكو وحلفائه الجدد في واشنطن، واللذين أعطيا، كلاهما، موافقتهما على الهجوم الذي شنّته تركيا وحلفاؤها السوريّون بهدف دفع أتباع حزب العمّال الكردستاني شرق نهر الفرات.

 

تظهر الخريطة أدناه، والتي تمّ رسمها بوساطة معهد واشنطن لدراسات الحرب بتاريخ 30 آب/ أغسطس 2016، مواقع كلٍّ من قوّات سورية الديمقراطيّة وحزب العمّال الكردستاني باللون الأصفر، ومواقع تركيّا وحلفائها باللون البنفسجي، ومواقع الثوار السوريّين باللون الأخضر. أمّا اللون الرمادي فيمثّل مواقع جهاديّي داعش/الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، واللون الأحمر لمواقع نظام الأسد.

 
2
.

في الخاتمة، أودّ القول إنّه من المُختزل، والخطأ، عدّ “الأكراد” مناصرين حصريّين لحزب العمّال الكردستاني. في المقابل، من المؤكّد أنه قد تمّت خيانة أكراد سورية من جانب بايق والإدراة العسكريّة لحزب العمّال الكردستاني، والذين قاموا، انطلاقًا من مقرّهم الرئيس في العراق، بالتقليل من أهميّة جبهة سورية، والتي عدّوها ثانويّةً، لمصلحة أولويّتهم المطلقة المكرّسة للحرب ضدّ الدولة التركيّة.

الكاتب: جان بيير فيليو