• الجمعة , 29 مارس 2024

قطر في صدارة الملف السوري من جديد

نداء بوست – قسم التحقيقات والمتابعات – الدوحة

لم يغب الملف السوري وبالتحديد ملف المعارضة السورية عن لقاء الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حيث تم التوافق التركي القطري على عودة المشاركة الواسعة والفاعلة من الجانب القطري في إدارة الملف.وتزامناً مع التوافقات التركية القطرية كانت هيئة تحرير الشام تقتحم مناطق الجيش الوطني في عفرين، الأمر الذي استوجب سرعة الحراك السياسي واللوجستي لمسؤولين قطرين نشطوا بعقد لقاءات اتسمت بالأهمية، واستمرت بعد الاقتتال الفصائلي الذي شهدته المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حيث تعتمد تركيا على خبرة قطر في التعامل مع أطراف المعارضة والتوفيق بينها.

عقد المسؤولون القطريون عن الملف السوري بحسب مصدر مطلع لموقع “نداء بوست” زيارة خلال الأسبوعين الماضيين إلى جنوب تركيا، وتحديداً إلى مدينة أنطاكية، والتقوا هناك بالقادة السابقين في حركة أحرار الشام في إدلب، الأمر الذي تبعه إعادة ترتيب الحركة لصفوف قيادتها بعد المشكلات التي كانت تتجاذبها.

كما التقى المسؤولون القطريون بقادة سابقين ومؤثرين في فصائل المعارضة، من بينهم بعض قيادات أجناد الشام، وقياديين في الجيش الحر السابقين، مثل جمال معروف ويوسف الحسن وآخرين، وكانت هذه اللقاءات في أنطاكية تجري في الوقت الذي يجتمع فيه المسؤولون الأتراك مع قيادات الجيش الوطني في غازي عنتاب

. وبحسب المصدر الخاص لـ “نداء بوست” فإن الهدف من تلك اللقاءات هو منع تكرار الاقتتال الداخلي، وضبط المشهد الفصائلي، في إطار دعم قطر وتركيا للقضية السورية وثورة الشعب السوري وتنسيقهما المشترك في دعم المعارضة السورية.وكانت دولة قطر قد تولّت الإشراف المباشر، عبر دبلوماسيتها ومؤسستها ومراكزها البحثية والإعلامية، بالتعاون مع أطراف عربية أخرى، على دعم الانتفاضة السورية في وقت مبكر من العام 2011، ودعمت تشكيل المجلس الوطني السوري ومن ثم الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة الذي تم الإعلان عن ولادته في الدوحة في العام 2012 بعد مداولات عديدة شاركت فيها الدول المعنية بالملف السوري.قبل ذلك أسهمت قطر مع شركاء عرب وغربيين في تقديم التسليح اللازم للجيش السوري الحر، واستمر دعمها ذاك ليشمل مواجهة توسّع تنظيم داعش الإرهابي الذي تطلب من المعارضة السورية مواجهته عسكرياً في العديد من المناطق السورية.وتذكر تقارير اقتصادية دولية أن الدوحة أنفقت ما لا يقل عن مليار دولار لدعم الثورة السورية عند انطلاقتها، وبعد ذلك موّلت السوريين خلال العامين الأولين منها بقرابة ثلاثة مليارات دولار، وفقاً لأرقام “الفاينانشال تايمز”، وتستضيف قطر اللاجئين السوريين، وخاصة كبار المسؤولين المنشقين عن النظام السوري، مثل رئيس الوزراء الأسبق رياض حجاب ومعاون وزير الخارجية السوري السفير فاروق طه والعديد من الدبلوماسيين والعاملين في مؤسسات الدولة الذين رفضوا الاستمرار مع النظام بعد قتله للسوريين والمجازر التي ارتكبها بحق الأبرياء.

وكانت قطر هي الدولة الوحيدة التي سلّمت مبنى السفارة السورية للائتلاف الوطني السوري، وافتتحت فيه سفارة رسمية للمعارضة تقوم بخدماتها الدبلوماسية والقنصلية، كما ضغطت لتسليم مقعد سورية في الجامعة العربية للمعارضة السورية التي مثّلها آنذاك رئيس الائتلاف في قمة الدوحة عام 2013.

كما قادت قطر الجهود الدبلوماسية الدولية لاستصدار قرارات عربية وأممية تدين جرائم النظام وتطالب بحل سياسي للأوضاع في سورية، وكان لمبعوثيها في الأمم المتحدة تأثير بالغ في الوقوف ضد الرواية الملفقة التي كان يقدمها النظام طيلة السنوات السابقة

.وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي تعرّضت لها قطر في السنوات القليلة الماضية فإنه لم يغب الدور القطري عن الساحة السورية، وكانت بصمة الدوحة حاضرة باستمرار عبر العمل الإنساني والخيري الذي لم يتوقف طيلة السنوات الماضية، سواء في مخيمات اللجوء في الشمال السوري أو في بلاد الجوار.

بالتوازي مع ذلك فقد عملت قطر على تقديم دعم سياسي كبير للدول المؤيدة للثورة السورية، لا سيما تركيا، وتذليل الصعوبات التي برزت أمامها سواء في المحافل الدولية أو على مستوى التعامل المباشر مع المعارضة السورية ومؤسساتها.

ويستمر تواصل المسؤولين القطريين مع القيادات العسكرية الحالية لفصائل المعارضة، وفي الوقت ذاته تعمل المؤسسات الإنسانية القطرية على إيصال مساعدات للشمال السوري ولتهيئة الأجواء لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين وتيسير الظروف المناسبة للعيش في المناطق المحررة.يذكر أنه وفي وقت سابق من العام الماضي، كانت العاصمة القطرية قد شهدت عقد اجتماع ثلاثي، روسي تركي قطري، أعلنت فيه “آلية تشاورية ثلاثية” خاصة بالملف السوري، ليدشن ذلك الإعلان عودة قطرية إلى هذا الملف، بعد تغير الموازين الدولية والإقليمية.

فقد مرّ وقت على آخر تغيير كبير تعرّضت له تشكيلات المعارضة السورية، منذ أن تولّت المملكة العربية السعودية إدارة الملف، وعقدت اجتماعات الرياض التي نجم عنها تشكيل هيئة المفاوضات، ومن ثم انطلاق مسار أستانا في وقت لاحق.هذا المسار بالتحديد والذي أطلقته روسيا، عمل على تقليص الدور القطري آنذاك، بفعل استمرار الآلية الثلاثية التي ضمت تركيا وإيران وروسيا، على أن تأخذ تركيا ضمانات بعدم حدوث أي تصعيد يهدّد المناطق السورية التي خرجت عن سيطرة النظام

.لكن الكثير من المياه جرت تحت الجسر، منذ عقد الاجتماع الثلاثي الروسي التركي القطري في الدوحة، فالدور الروسي بحد ذاته شهد انحساراً كبيراً بفعل الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا، والعقوبات الدولية التي باتت تخضع لها والإخفاقات العسكرية الهائلة التي يتعرض لها جيشها هناك. وكانت روسيا قد عملت قبل ذلك على إعادة تأهيل مبرمجة للنظام السوري عبر تطبيع علاقاته مع بعض الدول في المنطقة والعالم.

ويشير ذلك حسب مصادر “نداء بوست” بتراجع تأثير روسيا على الملف السوري، وفقدانها قدرتها على إقناع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة بجدوى المسارات التي افتتحتها، بحيث أن روسيا قد تكون “فقدت دور الشريك للغرب في سورية”.

كما فشلت روسيا في إعادة النظام إلى الجامعة العربية، ويرجع ذلك لموقف صارم أبدته كل من السعودية وقطر ومصر، رفضاً لمثل هذه العودة.ويدلّل التدخل القطري الحالي على أن هناك متغيرات جديدة ستشهدها الساحة السورية خلال الفترة القادمة، من خلال اللقاءات المكثفة التي تجريها قطر.

ولن تكون فقط في إطار الشمال السوري وإنما في كل مكان وفي أي محفل يمكن أن يسهم في إيجاد حل إيجابي وعادل للقضية السورية، والكلام للمصدر المطلع.

مقالات ذات صلة

USA