• الجمعة , 29 مارس 2024

قراءة في كتاب: روجآفا – خديعة الاسد الكبرى. ٣ من ٣ || (قراءة في ست سنوات من التيه الكردي)

أحمد العربي

ثامنا: روجآفا؛ تبعات الوضع الكردي في سورية.ان نظام الأسد هو المستفيد الأكبر من روجآفا.يؤكد ذلك الكاتب في نتائجه النهائية لبحثه المطول ٤٥٠ ص، على نقاط كثيرة أهمها أن النظام المستبد السوري هو المستفيد الأكبر والوحيد من قيام ال ب ي د بالسيطرة على منطقة التواجد الكردي في الشمال والشمال الشرقي السوري حيث الاغلبية الكردية بين سكان المنطقة هناك.

لقد سخّر النظام تنظيم ال ب ك ك بفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د ليكون قوته الباطشة في ذلك الحيز الجغرافي والسكاني، وبقي هو يراقب وينسق ويقود التطورات، لقد أسقط حراك الثورة السلمي في تلك المناطق، وضرب نويات الحراك المسلح للجيش الحر، نهب واستولى على خيرات البلاد وجيّرها لمصلحة النظام السوري، ضرب الاحزاب الكردية المعارضة وما نتج عنها من المجلس الوطني الكردي ومنع أي امتداد في الداخل السوري، عبر القتل والاعتقال والنفي والنهب المنظم. ضيع طاقات الشباب الكردي عبر تجنيدهم الإجباري في الاشايس قواته العسكرية وبقية تشكيلاته العسكرية والمجتمعية وجعلهم وقود خدمة النظام ضد أهلهم ومجتمعهم.

كما اعتمد على خطف الأطفال دون الثامنة عشرة والحاقهم بقواته العسكرية. ضرب السلك التعليمي وأغلق المدارس وحول برامجها البعض منها الى عبادة الفرد عبد الله اوجلان او حزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د. كما دمر الروابط الاسرية حيث دفع الاطفال عبر مغريات كثيرة للالتحاق بتشكيلاته دون رضا الأهل، حيث أدى لدمار مستقبل هؤلاء الأطفال والشباب وأسرهم أيضا.

كما حصل تهجير قسري احيانا وكان طوعيا في أغلب الاحيان بين الكرد الى اقليم كردستان العراق ومنها الى كل بلاد العالم، خروج بدون عودة. كما أدى لافقار الكرد السوريين الذين كانوا ضحية افقار دائم وضرائب ونهب وسرقات وابتزاز مالي في اجراء اي معاملة او بالتنقل داخل الإقليم او خارجه.

كما فُقد الأمن والأمان داخل الإقليم، حيث من الممكن ان يتعرض اي شخص أو أسرة لإساءة ال ب ي د لاسباب شخصية او سخيفة، وتؤدي للاعتقال والتعذيب والقتل أحيانا. كما أن كل ذلك أدى بالمحصلة النهائية لاستلام زمام امور الكرد من غير المؤهلين، صحيح ان ال ب ي د قد أخمد الثورة في مناطق الكرد لصالح النظام، وزاد على ذلك بضرب البنية المجتمعية ذاتها.

كما أنه حول المجتمع كله إلى بنية عسكرية منضوية في ال ب ي د وتشكيلاتها، التي اوقفت كل مظاهر الحياة الاخرى من اعمال اقتصادية وتعليم وبناء مستقبل أفضل لكل انسان، بل جعلهم جنود فقط لخدمة اجندة ال ب ي د ومن ورائها النظام السوري، وبدماء الكرد انفسهم. كما اظهرت التجربة ان الاحزاب الكردية ضعيفة وصغيرة ومتفرقة وغير ممتدة شعبيا وعاجزة عن أن تحمل هم الثورة السورية أو حماية الاكراد وحقوقهم ناهيك عن حماية نفسها، فكان مصيرها الإقصاء في الداخل السوري وبقي لها صوت إعلامي خارجي مع المعارضة السورية اجوف ودون جدوى مع غياب التأثير والفاعلية. ونفس التوصيف يقال عن النخبة الكردية التي تعالت عن التعاطي الجدي مع مأساة الكرد السوريين مع ال ب ي د وروجآفا التي ابتدعوها. وكان من أخطرنتائج هذه السنوات العجاف لسيطرة ال ب ي د على مناطق الغالبية الكردية في سورية هو التهجير والتغيير الديمغرافي وهروب الكرد الى خارج بلدانهم و بيوتهم وارضهم ومصالحهم الى المنافي دون التفكير بالعودة الى حياة جحيم لم يصدقوا انهم هربوا منها.

تاسعا: نهاية روجآفا؟!.

يتابع الكاتب رصده لواقع حال ال ب ي د في مناطق التواجد الكردي في سورية، انهم عندما تدخل التحالف الدولي وساعد على انهاء داعش في سورية والعراق، وبعد أن تحالفت روسيا ويران والميليشيات الطائفية مثل حزب الله والأفغان والعراقيين، على ضرب الثورة السورية وإنهاء وجودها عن اغلب الارض السورية، بصمت دولي ورضى ضمني امريكي (اسرائيلي)، وعودة سيطرة النظام السوري للسيطرة على اغلب سورية.

بدأ حزب ال ب ي د الغاء تداول تعبير روجآفا، وتزامن ذلك مع عودة النظام السوري علنا الى المدن والبلدات ذات الاغلبية الكردية واستلامه المواقع الرسمية. واقتصر دور ال ب ي د على التواجد في مناطق الشمال السوري والجزيرة حيث تم استخدامهم كبندقية للايجار في حرب التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد داعش، كانوا القوة الضاربة على الأرض لصالح التحالف الدولي، وبهذا الشكل كانوا معبرين عن واقع التحالف العملي بين النظام وامريكا في موضوع داعش. ولا يزال لل ب ي د ادوار اخرى تنتظر أن تؤديها، كل ذلك في اوائل العام ٢٠١٧م.

هنا ينتهي الكتاب.

اخيرا: ولنا كلمة.

٠١ بداية نحن أمام كتاب مرجعي مليئ بالمعلومات، اغلبها ميداني، كما أن الكاتب يتحلى بالنظرة الموضوعية، لا ينحاز لطرف ما، ولا ينتمي بشكل أعمى للقضية الكردية، لقد التزم -بحدود ما ارى- بالأسلوب العلمي لبحث مهم جدا غطى ثغرة معلوماتية لحالة لا تزال تتحرك على الأرض السورية، انها القضية الكردية في سورية ودور ال ب ي د فيها، في زمن فاعلها الإقليمي والدولي الذي لم ينتهي بعد، وهي في حركية واحتمالية لنتائج متنوعة ومختلفة مستقبلا.

ونحن في الشهر العاشر من عام ٢٠١٩م.

٠٢ كان من المفترض أن يقترب الكتاب أكثر من واقع العلاقة بين حزب ال ب ي د بصفته امتداد ال ب ك ك تاريخيا مع عدوه كما يرى تركيا، لأن اي نظرة لل ب ي د ودورها دون دخول العامل التركي على واقع العلاقة يجعل الرؤية للواقع السوري والتركي والقضية السورية ناقصا و قاصرا. نعم ان الاتراك يرون ال ب ك ك عدوهم الاستراتيجي لعقود مضت ويرونه تهديدا داخليا يريد تقسيم البلاد وبناء دولة كردية على جزء منها، لذلك حاربته حتى وصلت لاوجلان واعتقلته وأغلقت الملف وادخلت الكرد في العملية السياسية التركية عبر حزب الشعوب الديمقراطية الجناح المدني لبقايا ال ب ك ك القابلين الانخراط في العملية الديمقراطية التركية، لكن متغير الربيع العربي واختلاط الأوراق إقليميا ودوليا مجددا اعاد احياء ال ب ك ك في سورية عبر ال ب ي د ، وبدأ دورا صداميا في الداخل التركي وفق أجندته السابقة، لأن تركيا انحازت لصالح الثورة السورية ومطالب الشعب السوري العادلة. حيث انخرط الأتراك في القضية السورية مع الثورة بقوة عبر الدعم السياسي واللوجستي، ولكنه اصطدم لاحقا مع التوافقات الدولية على بقاء النظام السوري رغم كل جرائمه .

و اصطدموا مع الروس الى درجة احتمال الحرب بعد اسقاط طائرتهم فوق الاراضي السورية. لذلك انكفأ الأتراك الى دور محدود بالتوافق مع روسيا وإيران، وتسليمهم الملف السوري من قبل امريكا وحلفائها الدوليين و الإقليميين.

اصبح اهم مطلب للأتراك هو اعادة حماية انفسهم من ال ب ك ك والقاعدة الذين بدئا في وقت ما في الضرب في العمق التركي، نجحت تركيا مع دول العالم في ضرب داعش وهزيمتها داخلها وخارجها، اما حزب ال ب ي د فما زالت أجندة تركيا قائمة سواء بالقضاء عليه أو تحجيم دوره وتأثيره في الداخل التركي على أقل تقدير، واعتمدت تركيا لذلك على خلق حاجز بشري وجغرافي داخل الاراضي السورية في منطقة غصن الزيتون ودرع الفرات، و هي الان تعمل للتمدد على بقية الشريط الحدودي شرق الفرات المحاذي لتركيا حيث سيطرة ال ب ي د، لتمنع امكانية تسلل ال ب ي د إلى الداخل التركي. يعني حاجزا من البحر المتوسط الى الحدود العراقية التركية السورية المشتركة.

٠٣ كان من المفترض التحدث بتوسع اكثر عن الدور الإقليمي والدولي الذي سمح بوجود ال ب ي د وتمددها، لماذا تم تدريب البيشمركة بالالاف من الاكراد السوريون في إقليم كردستان العراق، لكنهم منعوا من أي دور داخل سورية، وتركت الارض مفتوحة لل ب ي د، وكأن هناك قرار دولي بأن تبقى تلك المنطقة تحت سيطرة النظام السوري، وتصبح شوكة في خاصرة تركيا تؤلمها وتضرها. لا نصدق أن فلول ال ب ك ك بقوتهم الخاصة وبمساعدة النظام السوري المتهالك، قد استطاعت أن تجعل نفسها القوة الأكبر في مناطق التواجد الكردي في سورية، وهي جوار إقليم كردستان العراق التابع لأمريكا، و بجوار تركيا الدولة القوية، من أين لها القدرة المالية و التسليحية لأن تصبح القوة الضاربة في مناطق التواجد الكردي، كل ذلك لولا ارادة امريكية، ما كان ليحصل. أمريكا التي سرعان ما استخدمت ال ب ي د، ودعمته بالامداد بالمال والسلاح الثقيل في معركتها مع داعش. وظهر هذا جليا في معركة تحرير كوباني. كل ذلك مع صمت من روسيا حليفة النظام السوري. لولا ذلك لما حصل ما حصل.

٠٤ كما ان من المهم الاستنتاج أن مآل مناطق الأغلبية الكردية في سورية، قد اصابها ما اصاب سورية وشعبها كله، من تهجير وسيطرة امنية وتجييش وضرب البنى المجتمعية والتعليمية والضرر الاجتماعي والاقتصادي وخلق صراع اجتماعي بين مكوناته وتحول بعض الاكراد لمرتزقة واغلبهم لضحايا، كل ذلك يحصل ولا حروب حقيقية حصلت في مناطقهم باستثناء دور ال ب ي د، بينما كان للنظام السوري ذات الدور عبر قتل وتشريد واعتقال وتهجير الشعب السوري هذا عدى عن تدمير أغلب مدنه وبلداته وضرب القوة الاقتصادية، وضرب الروابط المجتمعية وخلق أسباب للصراع الطائفي والأهلي الذي يحتاج لعشرات السنين في دولة ديمقراطية لاعادته للوضع الإنساني السوي.

٠٥ يجب التركيز أيضا على دور ال ب ي د الحالي في سورية الداخل بالتوافق مع أمريكا في مناطق سيطرتها على منطقة الجزيرة والشمال السوري، حيث منطقة النفط والغاز وامداد الحبوب والقطن لسورية كلها، مع إدراك وفهم الحضور الأمريكي الطاغي في هذه المناطق، والتساؤل عن استراتيجيات الامريكان هناك، هل هي ورقة ضغط على النظام فقط لتحقيق مصالح امريكية محددة معه ؟. ام هي مقدمات تقسيم واقعي لسورية على المدى البعيد ؟!.

مع احتفاظ أمريكا بحضورها بأهم مناطق سورية الاستراتيجية، وبهذا الشكل يكون حزب ال ب ي د ليس مجرد بندقية للايجار عند الامريكان، بل وسيلة تقسيم واستعمار حقيقي لسورية والى مدى زمني غير محدد.

أخيرا: نحن أمام كتاب مهم غطى فترة مهمة وموضوع مهم ينير زاوية مما عاشه الشعب السوري في نضاله لإسقاط النظام وتحقيق أهداف الشعب بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…الكتاب نقطة ضوء في هذا المسار.

مقالات ذات صلة

USA