• الجمعة , 29 مارس 2024

“غصن الزيتون” في عفرين وتغيير التوقعات.. كيف تسير التحالفات في سوريا ولماذا أُصيب المقاتلون الأكراد بالخذلان؟

مثّلَت عملية “غصن الزيتون” التي بدأتها تركيا بمشاركة فصائل من المعارضة السورية ضد الميليشيات الكردية في مدينة عفرين، خيبة أمل لحليف الولايات المتحدة الأول في سوريا، وهو “وحدات حماية الشعب” الكردية، كما سلطت المعركة الضوء على أشكال التحالفات وطبيعتها بين القوى الفاعلة على الأرض السورية.

وحتى قبل يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2018، وهو التاريخ الذي أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بداية عملية “غصن الزيتون”، كانت التساؤلات عن موقف كل من الولايات المتحدة وروسيا تُطرح بكثرة، وكان السؤال الأكثر بروزاً “هل ستقبل واشنطن وموسكو بعملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد الذين دخلوا في تحالف مع البلدين (ازدهر خلال العامين الماضيين)؟”.

وتُشير الوقائع على الأرض، إلى أن الرياح لم تجري كما تشتهي سفن المقاتلين الأكراد المنتشرين على الحدود مع تركيا، والذين تعتبرهم أنقرة جماعات إرهابية، يمثلون امتداداً حقيقياً لـ”حزب العمال” الكردستاني، المُصنف في أمريكا وتركيا على لوائح الإرهاب.

تحالفات هشة

ويبدو أن الميليشيات الكردية في سوريا، شعرت بالاطمئنان في أنها ستجد حلفائها بجانبها، عندما تنتقل تركيا من التحذيرات إلى الأفعال، ومردُ ذلك إلى قيام الأكراد خلال العامين الماضيين، بنسج تحالفات واضحة في جوانب ومعقدة في جوانب أخرى مع كل من أمريكا وروسيا، اللتين تتنافسان على النفوذ في سوريا.

وبصورة عامة، تعززت علاقات الأكراد مع الأمريكان بعد قرار واشنطن محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا بالاعتماد على مقاتلي الميلشيات الكردية، الذين حصلوا على أسلحة متطورة، وسيطروا على مساحات واسعة من الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، إلى حين إعلانهم إقامة حكمهم الذاتي، الأمر الذي رأت فيه تركيا والمعارضة السورية بداية لتقسيم سوريا.

وبالنسبة إلى روسيا، فإن الأخيرة استمالت الأكراد مرات عدة، تارة بهدف مزاحمة أمريكا على حلفائها في سوريا، وتارة أخرى لمساعدة النظام على تحقيق مكاسب ميدانية في مناطق الأكراد، وإبقاء الطريق مفتوحاً أمام تفاهم بينهم وبين النظام يصب في صالح الأخير.

وتجلى ذلك عندما سلّم مقاتلون أكراد في مارس/ آذار 2017، مناطقهم في مدينة منبج بريف حلب إلى نظام الأسد، عقب تعرضهم لهجوم من قبل فصائل “درع الفرات”، كما تكرر الأمر ذاته منتصف العام 2017، عندما دخلت روسيا إلى تل رفعت وأقامت نقاطاً عسكرية لها، لتوقف هجوم “درع الفرات” ضد الأكراد.

الأهم في التحالفات بسوريا

يرى محللون أن القوات الكردية قرأت بشكل خاطئ “عمق العلاقات” بينها وبين موسكو وواشنطن، لتأتي عملية “غصن الزيتون” وتطرح معها تساؤلات عن سبب ابتعاد البلدين عن المقاتلين الأكراد الموجودين في عفرين.

الدكتور في العلوم السياسية، علي باكير، قرأ شكل التحالفات في سوريا وفقاً لعملية “غصن الزيتون”، بقوله في تصريح خاص لـ”السورية نت”، إنه لا يوجد تعاون ثابت أو استراتيجي بين أي من الأطراف في سوريا، واعتبر أن التوافقات تبقى “مرحلية وتكتيكية، وتحاول الأطراف البناء عليها، لكن لا شيء ثابت برأيي حتى بين المتعاونين وكل طرف لا يثق بالطرف الآخر”.

ورأى باكير أن أمريكا ابتعدت حالياً عن “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، إلا أنها ما تزال تقدم الدعم للأكراد في أماكن أخرى من سوريا، وتحت مسميات عدة، مشيراً في حديثه عن روسيا أن الأخيرة “تحاول تبقي على علاقاتها مع المكون الكردي من خلال العملية السياسية”.

من جانبه، رأى الباحث في مسار السياسة والعلاقات الدولية في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، معن طلّاع، أن عملية “غصن الزيتون” أكدت أن خارطة التفاهمات في سوريا لا تزال شديدة القلق، وماضية في مرحلة اختبار حذر.

وأشار في تصريح خاص لـ”السورية نت”، إلى أن تحالفات الأطراف الفاعلة في سوريا، باتت محكومةً بمقاربات أمنية عابرة للتفاهم السياسي، وهو ما جعل السلوك السياسي والعسكري لهذه الدول وإن تعارض في الكليات؛ فهو يتضمن نقط التقاء أولوية قابلة للاستثمار في حال تعاظم التهديد الأمني، وهذا ما يحدث مع تركيا التي تتراكم “مهدداتها الأمنية” الناجمة عن تنامي قوة كردية انفصالية في الشمال السوري مقابل التوظيف والابتزاز الأمريكي لها في هذا الملف.

وأضاف أن هذا “ما دفع أنقرة لتغليب مبدأ الإنخراط المباشر، ودعم قوة عسكرية محلية حليفة لها كما كان في عملية درع الفرات، وهو ما تطلب منها ترتيبات أمنية مع الدول الضامنة”.

ومع تعاظم نفوذ أمريكا وروسيا في سوريا، على حساب انحسار أدوار الأطراف المحلية (النظام، والمعارضة، والمقاتلين الأكراد)، قال طلّاع إن “وحدات حماية الشعب الكردية لا تعدو عن كونها ورقة قابلة للتوظيف والاستثمار، فالولايات المتحدة استخدمتها مراراً للضغط على أنقرة، أما روسيا فترى هذه القوات ورقة أمريكية ينبغي استهدافها سياسياً وعسكرياً وفقاً لضرورات الحرب الباردة، واتساقاً مع أولوية جرها لتفاهم سياسي أمني مع النظام وفقاً لما يخدم روسيا”.

ويعتقد الباحث أن “هذه العلاقة الوظيفية المتناقضة، تشكل من جهة عاملاً دافعاً لأنقرة لعدم تأخير التدخل”،  ومن جهة ثانية تحمل هذه العلاقة مؤشرات الاستنزاف والتورط في حال تأخر حملة غصن الزيتون في تحقيق أهدافها”.

“خط أحمر”

وكان دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقوات الكردية في سوريا، سبباً رئيسياً في تأزم العلاقات بين أنقرة وواشنطن، والتي ازدادت سلبية مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، وتبني سياسة دعم عسكري أكبر للمقاتلين الأكراد، مغامراً في ذلك بعلاقة بلاده مع الحليف القديم تركيا، وأحد أهم أعضاء حلف “الناتو”.

ومنذ بدء تقديم أمريكا السلاح للميليشيات الكردية المنتشرة على الحدود مع تركيا، طالبت أنقرة واشنطن مراراً بوقف تسليحها، وهو ما كان يُقابل من الإدارة الأمريكية بالتجاهل، إلا أن إعلان التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تشكيل “قوة أمن حدودية” قوامها 30 ألف مقاتل معظمهم من الميليشيات الكردية، كان نقطة فارقة لدى تركيا، دفعها للتحرك العاجل الذي نراه الآن في عفرين، بحسب ما قاله المحلل السياسي التركي، مصطفى أوزجان، في تصريح لـ”السورية نت”.

وأشار أوزجان إلى أن تركيا رأت في تشكيل هذه القوة خطوة لفصلها عن العالم العربي، ولذلك كان على أنقرة ألا تقبل بتشكيله، لا سيما وأنها تنظر إلى وحدات “حماية الشعب” على أنها امتداد لحزب “العمال الكردستاني”، فضلاً عن أن أنقرة تنظر إلى هذه القوات على أنها تمثل تهديداً لأمنها القومي.

واعتبر أوزجان أن الخطوة الأمريكية كانت سبباً في تحرك تركيا العسكري، “لا سيما وأن أمريكا كانت تدعم المقاتلين الأكراد بدعوى أنها تقاتل داعش، وأن دورها ينتهي بانتهائه، لكن ما حصل هو عكس ذلك”، حيث استمر الدعم الذي من شأنه أن يقوي أيضاً حزب “العمال الكردستاني”.

وفي ذات السياق، قال باكير لـ”السورية نت” إن “أهم هدف في عملية عفرين بالنسبة الى تركيا بعد تطهيرها من المقاتلين الأكراد، هو تدمير حلم هذه الميلشيات في اقتطاع الشمال السوري وصولا الى شرق المتوسط، بالاضافة الى تأمين أمنها القومي عبر الحدود، من خلال تحصين مناطق واسعة داخل تركيا من هجمات الميليشيات الكردية عبر الحدود”.

واعتبر باكير أنه إذا “نجحت عملية عفرين العسكري وبعدها الإدارة المدنية، فإنها قد تشجع تركيا ولاعبين آخرين على تنفيذ عمليات أخرى في أماكن سيطرة الميليشيات الكردية في الشمال السوري”.

روسيا وتفضيل المصالح

وحتى قبل ساعات من بدء عملية “غصن الزيتون” لم يكن موقف الروس قد وصل لمرحلة الحسم، على الأقل لدى وسائل الإعلام ومحللين، لا سيما وأن روسيا كانت قد نشرت  العام الماضي جنوداً لها في عفرين للفصل بين القوات الكردية والجيش التركي.

إلا أنه مع إعلان أردوغان لبدء العملية، انسحب المراقبون الروس من عفرين إلى أطرافها، وهو ما فهمه الأكراد على أنه تخلٍ روسي عنهم، ما دفعهم إلى شن هجوم واسع على موسكو، واتهموها بالخيانة، بعدما رفضوا مقترحاً من موسكو، طلبت فيه من الأكراد تسليم عفرين إلى نظام الأسد.

وفي تعليقه على موقف الروس من “غصن الزيتون”، قال الدكتور باكير: “أعتقد أن روسيا انزعجت بشكل كبير من تحول (حزب  الاتحاد الديمقراطية الكردي) إلى أداة أمريكية، حيث يهدد ذلك مصالح موسكو في سوريا، وأرى أن هذا مكمن التقاء مهم في المصالح مع تركيا، وأحد أهم أسباب عدم عرقلة موسكو للعملية العسكرية، فضلاً عن حاجة روسيا الملحة الى دور تركيا في العملية السياسية وعلى الأرض في مناطق خفض التوتر، وهو الأمر الذي كانت ستخسره في حال عرقلتها للعملية التركية”.

ويبدو أن موسكو، عند وصولها إلى لحظة ينبغي فيها أن تتخذ قراراً بالتفضيل بين الأطراف التي تعمل معها في سوريا، قررت المضي مع تركيا بدلاً من المقاتلين الأكراد في عفرين، وذلك بحكم شبكة الملفات المعقدة التي يعمل عليها البلدين، والتي تحتاج فيها روسيا أنقرة للمضي بها، من أجل تحقيق مكاسب أفضل مما لو وقفت بجانب الأكراد.

وإلى جانب الملفات المشتركة التي تعمل عليها كل من تركيا وروسيا في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بمصير الأسد بالسلطة، فلا يمكن تجاهل أهمية العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة، والذي كان من المحتمل أن يتعرض لمطبات، في حال عرقلت موسكو عملية أنقرة في عفرين.

ويرى أناتولي المريد، الخبير في شؤون الشرق الأوسط لصحيفة “Svabodnaya pressa” الروسية، أن “تحركات روسيا وفقاً لمبدأ البراغماتية الجيوسياسية، قد جعلها لا تمانع العمليات العسكرية التي شنتها القوات التركية ضد الأكراد، وسيعزز ذلك علاقات البلدين في العديد من المجالات، لا سيما على مستوى مشروع السيل التركي”.

وأشارت الصحيفة الروسية إلى أن “الأتراك لا يزالون يرفضون خطة غازبروم التي تقضي ببناء 4 خطوط أنابيب للغاز ضمن هذا المشروع (خط واحد لتركيا، و3 من أجل عبور إمدادات الغاز إلى أوروبا)، حيث ترغب تركيا في إنشاء خطين فقط؛ أحدهما لتأمين استهلاكها الداخلي، والثاني من أجل عبور إمدادات الغاز إلى أوروبا”.

كيف سيكون شكل التحالفات بعد “غصن الزيتون”؟

يتوقع محللون أن تكون علاقة الأكراد مع روسيا وأمريكا عقب عملية “غصن الزيتون” مغايرة لما قبلها، لا سيما مع تعاظم شكوك الميليشيات الكردية في حلفائها، وخشيتها من التخلي عنها في “ليلة وضحاها” كما وصف، سيبان حمو، قائد ميليشيا وحدات “حماية الشعب” موقف روسيا من عملية الجيش التركي.

ويرى الباحث طلّاع في هذا السياق، أن “شكل علاقة الإدارة الذاتية مع الروس والأمريكان، ستبقى أسيرة عدة عوامل، الأول: حيثيات ومآلات عملية غصن الزيتون والتي يتوقع لها أن يتم التوصل لصيغة تفاهم تفضي بخروج الميليشيات الكردية من عفرين، بعد  أن يتم فرض واقع عسكري وإداري مغاير، كما ترتبط ثانياُ بالموقف الأمريكي المتذبذب منها، والذي ينتظر أن يعلن عن استراتيجيته الجديدة في سوريا، والتي ستؤكد اهتمامها الأول في منطقة شرق نهر الفرات، ومحاربة داعش، وتقويض المشروع الإيراني، ويرتبط ثالثاً بطبيعة المحددات السياسية البراغماتية لتلك الإدارة التي لن تلجأ لتأجيج العلاقة ونسفها مع تلك الدول”.

من جانبه، رأى ماكس هوفمان، المحلل في “سنتر فور أميركان بروغرس” أن العلاقة بين موسكو والميليشيات الكردية قد لا تتمكن من الصمود بعد الهجوم التركي، وقال إن “العملية التركية قد تزرع الشقاق بين موسكو ووحدات حماية الشعب الكردية”، مشيراً إلى بيان وحدات الحماية التي حمّلت فيه روسيا وتركيا على السواء مسؤولية الهجوم التركي.

أما على صعيد العلاقات الأمريكية مع الميليشيات الكردية، فإن الأخيرة سيتخللها التوجس من مساعي الولايات المتحدة واستخدامها لورقة الأكراد في سوريا، وليس السبب في ذلك فقط عملية “غصن الزيتون”، فواشنطن سبق وأن خيّبت أمل حلفائها الأكراد في العراق قبل أشهر، عندما خسر إقليم “كردستان العراق” في محاولته الاستقلال، ووجد أمريكا التي جمّلت له الطريق لتحقيق حلمه بعيدةً عنه، عندما اجتمعت كافة القوى الإقليمية والدولية واتخذت موقفاً واحداً مناهضاً لخطوة الاستقلال.

وحتى إن كانت الولايات المتحدة، قد بررت عدم تدخلها في عفرين بحجة أن المدينة ليست ضمن مناطق عمليات التحالف الدولي، فإن إحساساً بالخيبة لدى القوات الكردية في سوريا سيتولد، كما يسود الاعتقاد بأن دعم أمريكا لهم مقتصر في النهاية على المناطق الغنية بالنفط والغاز والأراضي الزراعية التي يوجدون فيها، ما يعني من ناحية أخرى، أن واشنطن ومع إعلانها بقاءً طويلاً في سوريا، فإنها ستميل في النهاية إلى من يحقق مصالحها بغض النظر عن الجهة التي تمثل حليفاً لها.

ولذلك، فإنه في قراءة لتصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي قال إن نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، اقترح عليه إقامة منطقة آمنة في سوريا بعمق 30 كيلومترا على الحدود (تتضمن المناطق التي يسيطر عليه الأكراد)، فإن التساؤل الأبرز، هل ستختار أمريكا في النهاية الوقوف إلى جانب الدولة التركية بدلاً من الميليشيات الكردية، وفقاً لمنطق المصالح والطرف الأقوى في سوريا؟”.

المصدر: السورية نت

مقالات ذات صلة

USA