• الجمعة , 29 مارس 2024

عمر كوش: زيارة تيلرسون والعلاقات الأميركية التركية  

لم ينجح وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، في زيارته أنقرة، في تبديد خلافات بلاده مع تركيا، على الرغم من لقائه المطوّل مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ثم اجتماعه بنظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، إذ إن هوة الخلافات بين البلدين لا تزال كبيرة، ولا تقتصر فقط على مطالبة أنقرة بضرورة تخلي الإدارة الأميركية عن دعمها العسكري الكبير حزب الاتحاد الديقراطي الكردي في سورية (PYD)، الذي تخوض ضد مليشياته “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) معارك طاحنة في منطقة عفرين السورية، ومطالبتها سحب هذه المليشيات من مدينة منبج، بل تمتد إلى قضايا أخرى تتعلق بالتعامل الأميركي مع الوضع في سورية والعراق، وصولاً إلى مطالبة أنقرة واشنطن تسليمها الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت ليلة منتصف يوليو/ تموز 2016.
ولعل المنتج الوحيد للزيارة هو الإعلان عن التوصّل إلى وضع آليةٍ لإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، حيث عبّر تيلرسون عن رغبة إدارة الرئيس، دونالد ترامب، في إعادة تطبيع علاقاتها مع الإدارة التركية، وأن تركيا والولايات المتحدة “لن تتحرّكا بعد الآن كل بمفردها في سورية”، وتريدان “المضي في العمل معاً” لتجاوز الخلافات الحالية بينهما.
ويدخل ذلك كله في الإطار النظري لتطبيع العلاقات التركية الأميركية، ومحاولة إعادة الثقة بين البلدين، بعد التباعد الكبير الذي حصل في السنوات القليلة الماضية، من خلال وضع آلية مشتركة، تركية أميركية، تتمثل في تشكيل لجنةٍ تضمّ ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع وجهازي الاستخبارات في كل من تركيا والولايات المتحدة، مهمتها بحث القضايا والمواضيع الخلافية بينهما، واقتراح حلول لها. وبالتالي، فإن الأمر ترك معلقاً في انتظار أن تعقد هذه اللجنة اجتماعاتها المفترض أن تبدأ، حسب وزير الخارجية التركي، قبيل منتصف مارس/ آذار المقبل.

ولم يخفِ جاووش أوغلو تأكيده على أن بلاده تنتظر من واشطن الأفعال، لا الأقوال، وأن العمل على إعادة بناء الثقة بين البلدين لابد أن يبدأ باتخاذ خطواتٍ ملموسة على الأرض، وبالتحديد من مدينة منبج، حيث قدّم الجانب التركي مقترحاً يقضي بانسحاب مليشيات الحماية الكردية، ونشر قوات تركية وأميركية مشتركة فيها، تتولى إدارة شؤونها.
وعلى الرغم من أن البيان المشترك الذي صدر عقب اجتماع تيلرسون وجاووش أوغلو أكد وقوف تركيا والولايات المتحدة بحزم “ضد كل محاولات التغيير الديموغرافي، وفرض الأمر الواقع في سورية”، والتأكيد على “وحدة الأراضي السورية، والمحافظة على وحدتها الوطنية”، إلا أن واقع الأمر يفيد أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا لا يهمها “وحدة سورية”، إلا بوصفها مقولةً تخفي صراعها على استكمال نفوذه وتثبيته فيها، حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تثبيت نفوذها في منطقة الجزيرة السورية، بعد وضعها استراتيجيتها الجديدة في سورية، الهادفة إلى إنشاء ما يشبه دويلة أو كياناً انفصالياً في منطقة الجزيرة السورية، عبر العمل على تشكيل جيش مؤلف من 30 ألف مقاتل، قوامه الأساسي عناصر مليشيات وحدات الحماية الكردية، مهمته الانتشار على طول الحدود مع تركيا والعراق وعلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، إلى جانب تأمينها وتدعيمها قاعدة التنف في الجنوب الشرقي من سورية، بينما تحاول روسيا استكمال سيطرتها وتأمين هذه السيطرة على منطقة الساحل السوري، بدءاً من مدينة اللاذقية وصولاً إلى مدينتي حمص ودمشق، حيث أقامت فيها قواعد عسكرية بحرية وبرية ومطارات، وثبتت وجودها العسكري باتفاقية مديدة ومهينة مع النظام السوري، تقرّ بتحول القوات العسكرية الروسية إلى قوة احتلالٍ شبه دائم في سورية.

ويحاول نظام الملالي الإيراني ضمان سيطرته على الطريق الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، بعد تثبيت نفوذه عبر نشره أكثر من 70 ألف مرتزق من مليشيا حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والأفغانية، فضلاً عن قواعد ومصانع أسلحة، وضباط ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وسواهم.
أما تركيا فقد أطلقت عملية غصن الزيتون العسكرية، لتستكمل ما بدأته في عملية درع الفرات التي توقفت على أبواب منبج، وبقيت بوصفها الطرف الإقليمي الذي لم يرضه ما حصل عليه في حسابات تقاسم النفوذ في سورية، إذ اكتفت مرغمةً بمنطقة محدودة، تمتد من مدينة جرابلس إلى بلدة الراعي، وصولاً إلى مدينة الباب، مع أنها تعتبر نفسها أكثر الدول المعنية بالملف السوري، حيث منعها كل من الأميركان والروس من التقدم باتجاه مدينة منبج، عندما أطلقت عملية “درع الفرات” في 24 أغسطس/ آب 2016، وأرغمت تلك الممانعة الساسة الأتراك على تغيير وجهتهم الغربية باتجاه التفاهم والتنسيق مع الروس والإيرانيين، حيال الوضع في سورية.
غير أن ما زاد من حدة الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة مطالبة وزارة الدفاع الأميركية تخصيص مبلغ 550 مليون دولار، لدعم ما تسمى “قوات سورية الديمقراطية”، ولتدريب (وتجهيز) قوات حرس الحدود التي أعلنت الإدارة الأميركية العمل على تشكيلها، وكانت السبب الرئيس في توتر العلاقات الأميركية التركية، وإطلاق تركيا عمليتها العسكرية في منطقة عفرين، بمشاركة مقاتلين من فصائل الجيش السوري الحر.
ويبدو أنه على الرغم من لقاءات عديدة جرت ما بين المسؤولين الأتراك والأميركيين أخيراً، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين البلدين، لكن في مطلق الأحوال، لن يؤدي ذلك إلى إحداث قطيعة بين البلدين الحليفين تاريخياً، وهو أمر تشهد عليه الأزمات السابقة التي حصلت بينهما. لذلك سيلجأ ساسة كلا البلدين إلى التخفيف من حدة التوتر بينهما، وتدوير زوايا الخلافات، بغية الوصول إلى تفاهمات حولها.

 

مقالات ذات صلة

USA