• السبت , 20 أبريل 2024

شاحنات أموال إيران والمقايضة بين الدم والغذاء

شادي علاء الدين

موقع تلفزيون سوريا:27/11/2020

يحمل خبر القصف الإسرائيلي لشاحنة أموال، كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا، دلالات جديدة، تختلف في طبيعتها عن كل ما كان يمكن أن يقال سابقا حول الأمر نفسه. توقيته والظروف البالغة التعقيد التي يجري فيها تتطلب قراءة متأنية تربطه بوقائع المنطقة ووقائع العالم المستجدة والمتسارعة.

تمول إيران حزب الله في ظل انكفائها الملحوظ في سوريا وتقليص وجودها في البلد الذي كان استثمارها الأبرز، ما يعني أن الحزب لم يعد جزءا من مشروعها أو ميليشيا تستعملها في ميادين مختلفة، بل صار حاملا رئيسيا لهذا المشروع، تُرسل إليه شاحنات أموال في الوقت الذي تعاني فيه من أزمة اقتصادية حادة بسبب العقوبات.

ولكن إذا ما كانت الأموال المرسلة إلى لبنان لا تغطي نشاطا حربيا وجهاديا واضحا فما هي وجهة استعمالها؟ قد يكون النظر في الجمهورية البديلة والخاصة التي يرسم الحزب معالمها في مناطق نفوذه هو الجواب المباشر.تأتي هذه الأموال لمدها بسبل العيش والنجاح وضمان تفوقها على سائر المناطق، في ظل تمادي الأزمات الاقتصادية التي تنذر بتفكيك قدرة اللبنانيين عموما على تأمين حاجاتهم الأساسية.تجتهد إيران في تمويل عملية وصل البنية الجهادية بالشأن المعيشي، وتحويل الجمهور الشيعي الواقع تحت نير الحزب في لبنان إلى مجاهدين بالقوة، خالقة بذلك مقايضة مُرة بين الدم والغذاء.

بعد أن بات استيلاء المنظومة الإلهية الحزبية على الدولة ومواردها من قبيل المسلمات، تم الدفع بمؤسساتها وبنيتها الاقتصادية نحو الانهيار وتأمين نظام بديل عنها بالكامل.كان التركيز سابقا ينصب على العنوان الأمني، ولكنه يندفع حاليا في اتجاه تركيب بنية بديلة كاملة بكل ما يعنيه ذلك من خدمات وتأمين للغذاء، والأهم هو تأمين خروج المال الشيعي عموما من المنظومة المصرفية اللبنانية بشكل كامل، خصوصا بعد العقوبات التي طالت فروع المصارف العاملة في مناطق نفوذ الحزب.حلت مؤسسة القرض الحسن مكان النظام المصرفي بشكل كامل مع ظهور ماكينات صرافة آلية تابعة لها، وبعد أن نجح الحزب في الاستحصال على الذهب الشيعي والدولارات الشيعية وتوظيفها في إطار دعم مشروع جمهورية الرهائن التي يسعى إلى إقامتها كأبرز مشروع فيدرالي واضح المعالم في لبنان.

الفكرة أن هذا المشروع قد يكون حلا صحيا ومعقولا مع انعدام التفاهم الذي فرضه الحزب بين الشيعة وسائر المكونات، لو كان عملية عزل تهدف إلى تثبيت خصوصية قائمة فعليا وتكريسها بشكل نهائي. لكن الأمور ليست كذلك على الإطلاق، لأن هذه الجمهورية الناشئة هي عبارة عن معمل صواريخ كبير يُقاس البلد على أساسه، ولا يعني انفصالها عنه أن نتيجة ما يجري فيها، أو التعامل مع الأسباب التي دفعت إلى خلقها، لن يطال البلد ككل.وسمت الجمهورية الوليدة البلد بشكل واضح. لم يشهد تاريخه الحديث حالة من العزلة العربية والدولية مماثلة للوضع الحالي حيث أن تواصل العالم معه بات محصورا في طريقتين هما العقوبات والتجاهل.

المختلف في كل هذه السياقات أن معارك العالم مع حزب الله لا تراعي أي شأن لبناني، ولا تبالي بالآثار المترتبة عن طريقة إدارة هذا الصراع وكلفتها الهائلة على عموم اللبنانيين، بل تعتبر تفكيك البلد وانهياره ثمنا مقبولا إذا كان مدخلا للقضاء عليه.يستفيد الحزب وخلفه إيران من هذا النزوع، ويعملان على تسوير حدود جمهوريتهم بالاقتصاد والمولات، والمؤسسات المالية البديلة وسائر أنواع الخدمات، وإحاطة البلد ككل بالصواريخ والأنفاق بشكل يقسم اللبنانيين إلى قسمين:

القسم الأول يتألف من الرهائن المسموح لهم بالعيش ليشكلوا وقودا جهاديا في المرحلة اللاحقة، وهم الشيعة الذين تشتري إيران وجودهم بتأمين الحد الأدنى من الموارد والخدمات بصيغة لا تساهم سوى في إطالة فترة الاحتضار، وليس منع الموت.

القسم الثاني يتشكل من الرهائن المعدين للموت المباشر والسريع وهم باقي الطوائف.المفارقة أن كل المكونات لا تحاول الوقوف في وجه الحزب ونزوعه الذي بات واضح المعالم، بل تعمل على إنشاء جمهوريات موازية لجمهوريته من دون قدرة على مدها بأسباب النجاح أو مضاهاته في هذا الصدد، لا بل أكثر من ذلك تسعى إلى إقامة شراكة معه في السلطة التي صادرها واستنزفها من دون أي مقابل واضح.

ولعل الشأن الحكومي اللبناني الذي صار بمثابة نكتة سخيفة يقدم دليلا بارزا على وصول الأمور إلى مرحلة سوريالية. مهمة الرئيس المكلف تقتصر على محاولة تشكيل حكومة تحظى برضا الحزب، في حين أن وجودها بهذا الشكل يعني رسم نهاية سريعة للبلد في ظل انسحاب المنظومات الدولية منه، والظروف التي تشي بأن احتمال نشوء حرب عاصفة عليه بسبب الحزب بات مرتفعا ومدعوما بسلسلة من الوقائع الميدانية المباشرة.

يتعامل الحزب مع هذه الوقائع بتحصين نفسه والحرص على أسر جمهوره في محميته الجديدة، وخصوصا أن الجمهوريات الموازية محكوم عليها بالفشل ما لم تحظ بدعم خارجي يحول البلد رسميا إلى فيدرالية محميات طائفية.مناطق المسيحيين بعد انفجار المرفأ فقدت تمركزها المديني، ومناطق السنة ليست سوى عبارة عن تجمعات ريفية يغزوها الفقر والبطالة والشعور بالهزيمة إضافة إلى أنها مهددة بشبح الإرهاب، ومناطق الدروز معزولة، ولكن الحزب وإن كانت إسرائيل قد أصابت شاحنة من شاحنات الأموال القادمة إليه، فإنه لا يزال يمتلك من القدرة المالية ما لا يتيسر لباقي المكونات، وخصوصا أنه يتحكم بلعبة صرف الدولار إلى حد كبير.

وهكذا فإن الحزب، في انتظار المجزرة المتوقعة، يستبق كل الظروف بتحويل مناطقه إلى سوبر مول وسوبر مصرف، وإلى يوتوبيا إلهية خاصة ومستقلة عن جمهوريات الخراب اللبنانية.يعني ذلك ببساطة أن البلد قد تحول بشكل لا يقبل الجدل إلى حالة إغاثية مكتملة الأركان وأنه لا مفر أمام اللبنانيين عموما، في ظل انصراف العالم عنهم، سوى طلب العون من الشيطان نفسه مقابل بيع أرواحهم له.

مقالات ذات صلة

USA