• الخميس , 28 مارس 2024

الرسالة التي كشفت حقيقة ترويج النظام لأسماء الأخرس كرمز ينافس الأسد

ما إن وضعت المعركة بين عائلة الأسد وآل مخلوف أوزارها بانتصار سهل ومتوقع للطرف الأول، حتى بدأت تظهر صور زوجة رئيس النظام بشكل مكثف إلى جانب صور زوجها في الساحات والمؤسسات الرسمية.غرابة هذه الظاهرة ليست في احتلال “الزوجة” المهووسة بحب الظهور، مساحة واسعة في الفضاء العام، إذ حظيت منذ تسلم زوجها السلطة بترويج إعلامي كبير، كما رافقت الأسد في كثير من زياراته الخارجية، واقترن اسمها بالكثير من الفعاليات الثقافية والإنسانية التي عمل النظام على إطلاقها من أجل “زوجة الرئيس فقط”.

لكن أن يتجاوز دور أسماء الأخرس حدود المجالين الثقافي والخيري، فهو أمر غير متوقع بالتأكيد. بل حتى عندما تصدرت مشهد المعركة ضد رامي مخلوف منذ منتصف العام 2019، والتي انتهت بإقصائه من المشهد تماماً، وعودتها للظهور في مناسبات مختلفة، فإن ذلك لم يكن كافياً ليقتنع السوريون بما قيل عن دور سياسي كبير يتم تحضيره لها.

لم يتردد البعض في القول إن أسماء الأخرس هي خليفة الأسد في حكم سوريا، وإنه يتم الترتيب من قبل روسيا لكي تكون المرشحة عن حزب البعث في الانتخابات الرئاسية القادمة، فيما أكد آخرون أن مقاليد الحكم باتت فعلاً بيد الزوجة منذ وقت غير قصير، بعد أن هيمنت على القصر الجمهوري، وباتت تحظى بدعم كامل من روسيا.

لم يقدم أصحاب هذه الروايات أي دليل على سردياتهم، الأمر الذي زاد من غموض المشهد، وعقد من مهمة فهم أسباب ودوافع وأهداف اتساع مساحة حضور أسماء الأسد في المجال العام، إلى حد أن صورها باتت تتقاسم جدران سوريا ومكاتب مؤسسات الدولة الرسمية مع صور زوجها، وفي ذلك مؤشر غير عادي، إلا أن الاقتناع بفرضية تنازل الأسد لزوجته عن الحكم ظلت عصية على التقبل أو التصديق، إذ لا يمكن تصور هذه الفرضية مهما كانت مؤشراتها قوية !ظل سؤال الأسباب والأهداف حائراً، لكن الصورة تتوضح اليوم مع الكشف عن الرسالة التي وجهها مجموعة من رجال الدين المسيحيين إلى الرئيسين الأمريكي والفرنسي، للمطالبة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام.

معظم الأسماء الموقعة على هذه الرسالة أصحابها معروفون للسوريين بأنهم من الشخصيات الداعمة للنظام، لكن بالنسبة لمن وجّههم وأوصلَ رسالتهم إلى البيت الأبيض وقصر الشانزليزيه، فقد كان اختيار غالبيتهم من رجال الدين المسيحي يهدف إلى إحداث تأثير قوي في الرأي العام الغربي الذي سيتلقى هذه الرسالة دون خلفيات كاملة عن موضوعها أو عن أصحابها، وسيجذبه بالتأكيد أنهم من القساوسة والبطاركة، وسيعتقد الجمهور أنهم بِاسم المحبة والسلام يطالبون برفع العقوبات للتخفيف عن السوريين.

لا يمكن بالتأكيد تجاهل الآثار السلبية التي خلفتها العقوبات الاقتصادية على المواطن العادي، لكن هذه الآثار ليست سوى أعراض للكارثة التي تعيشها سوريا بسبب سياسات هذا النظام وجرائمه منذ عقود، والأهم أن كل العقوبات المفروضة على النظام لا تمس أياً من القطاعات الإنسانية والمدنية، بما في ذلك الوقود، ناهيك طبعاً عن أن هذه الرسالة ليس هدفها مصلحة المواطن البائس.

بالنسبة لمن يقف خلف هذه الرسالة، فإن الهدف الحقيقي هو إزالة القيود التي تمنع تدفق الاستثمارات إلى سوريا، وإطلاق عملية إعادة الإعمار فيها، وهي مصلحة كبيرة لرجل الأعمال الشهير، فواز الأخرس، وهو والد أسماء الأسد، الذي يرتبط بعلاقات واسعة في الغرب مع مواقع صنع القرار و مراكز الأبحاث المؤثرة، والذي عقد، حسب المعلومات المتوفرة، صفقة مع آل الأسد تقضي بتسلم ابنته إدارة أموال العائلة بدلاً من رامي مخلوف، ومنح شركاته حق الاستثمار في كل القطاعات التي كان هذا الأخير يهيمن عليها، مقابل التعهد بالعمل على إعادة تعويم النظام دولياً.

لا يوجد سبب يجعل الأسد يمانع في ذلك، فزوجته أقرب إليه من ابن عمته وأكثر موثوقية منه بطبيعة الحال، والمقابل مغرٍ، وقد استفاد فواز الأخرس من التوجه الفرنسي للانفتاح على طهران وحزب الله، بهدف كسب استثمارات في كل من إيران ولبنان والعراق، بما في ذلك الحصول على حق إعادة إعمار ما دمره انفجار مرفئ بيروت في آب الماضي، وكذلك في عملية إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي استغله الأخرس بشكل فعال على أمل أن يقود من باريس حملة إعادة العلاقات بين النظام والاتحاد الأوروبي، مستفيداً مما يقال عن علاقات تربطه ببعض المسؤولين في الرئاسة الفرنسية.

لكن (عم الأسد) اصطدم طيلة الفترة الماضية بموقف حازم من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قبل أن يبتسم الحظ له مع وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وتعيينه موظفين على علاقة وطيدة بالأخرس ذاته، أو بداعمين للحوار مع إيران والأسد.

وإذا كان المبعوث الأمريكي الجديد إلى الشرق الأوسط روبرت مالي معروف بهذا التوجه، فإن الشخص الآخر الذي لا يعرفه الكثيرون ويقف بقوة خلف مشروع والد زوجة الأسد هو (نير روزن) رئيس مركز ( الحوار الإنساني) الأمريكي الذي يعتمد عليه الديمقراطيون بشكل كبير في صياغة سياساتهم الخارجية، وهو الشخص الذي تتفق معظم المصادر على أنه هو من طلب إعداد هذه الرسالة.

في إطار تكهناتهم بخلافة أسماء لزوجها بشار الأسد، تحدثَ البعض عن ترتيبات روسية بهذا الخصوص، لكن الواقع يشير إلى أن هذا الطرح غير وارد، أما عملياً فمن الواضح أن الروس يباركون وبقوة مثل هذا المشروع طالما أنه يسهم في التخلص من العقوبات الغربية التي تقف سداً منيعاً في طريق استثمار (نصرهم العسكري) اقتصادياً،

ومن هنا يأتي موقفهم الداعم للترويج لأسماء الأخرس كأحد رموز النظام، مكافأة لجهود والدها، وتأكيداً على حماية مصالحه ومطامعه الاقتصادية في البلاد.

مقالات ذات صلة

USA