• الأربعاء , 24 أبريل 2024

التجمع الديمقراطي السوري مسار أستانا الراهن والمآلات

لم يعد الحديث عن طي مسار جنيف مجرّد استنتاج أو استشراف لما ستؤول إليه الحالة السورية،بل بات أقرب إلى المواقف الرسمية التي تطالب بها الدول الضامنة لمسار أستانا.ولئن كان من غير المفيد تكرار الكلام على سيرورة المسعى الروسي الذي بدأ تنفيذه منذ أواخر إيلول 2015 ، من خلال خطين متوازيين،الأول عسكري يهدف إلى القضاء على جميع معاقل المقاومة المسلحة المناهضة لنظام الأسد،واستئصال حواضنها الشعبية،والثاني سياسي رافد للخط الأول ويتجسّد باحتواء المعارضة المسلحة سياسياً والعمل على برمجتها إقليمياً،من خلال إطلاق مسار(أستانا) منذ مطلع العام 2017 ،وإيهام قادة الفصائل ولواحقهم من السياسيين بأن مطبخ العاصمة الكازاخية سيركز على القضايا الميدانية والإنسانية فقط،أما جوهر القضية السورية المتمثل بالحل السياسي فلن يكون سوى في (جنيف)،ووفقاً للقرارات الأممية( جنيف 1 – 2254 ).
إلّا أن واقع الحال لا يكشف عن زيف الوعود الروسية وفحوى عدوانية حكومة موسكو فحسب،بل عن تماهي وفود المعارضة السورية التي تناوبت على المشاركة في لقاءات أستانا تسع مرات،مع الرؤية الروسية ومصالح الدول الراعية، موازاة مع تجاهل تام للمصلحة الوطنية السورية،فمنذ انطلاقة أستانا1 في يناير 2017 ،كانت وعود أستانا تحيل إلى أولوية وقف إطلاق النار،ثم البدء بعملية إطلاق سراح المعتقلين،وكذلك فك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة،ومعالجة الجرحى والمصابين….،ولكن الذي نتج عن مجمل اللقاءات خلال سبعة عشر شهراً،أي حتى تاريخ انعقاد أستانا9 في 14 – 5 – 2018 ،كان أمراً مختلفاً، لعلّ أهمّ معالمه:
1 – استمرار العدوان الجوي الروسي على المدن والبلدات السورية دون أي توقف،موازاةً مع استمرار نظام الأسد وحلفائه من الميليشيات الطائفية بقتل السوريين.
2 – في 4 – نيسان – ابريل 2017 تم تهجير سكان بلدتي الزبداني ومضايا.
3 – في 8 – أيار – مايو – 2017 تم تهجير سكان حي برزة.
4 – في ابريل 2018 تم تهجير سكان الغوطة الشرقية بعد حصار دام أربع سنوات وانتهى بالعدوان الكيمياوي.
وما زال مسلسل التهجير مستمراً: القلمون – ريف حمص الشمالي.
ولعلّ الفصل الأشد خطورة في مسار أستانا،و الأوضح من حيث المخرجات والنيّات والأهداف، هو أن مشروع “مناطق منخفضة التصعيد” أو “مناطق تُخفف فيها حدّة التوتر” إنما يّعدّ مشروعًا داعمًا ومكمّلًا للنهج الذي يعتمده نظام الأسد حيال مواجهته قوى الثورة في سورية، ويقوم على استئصال المقاومة من خلال الحصار المحكم للمدن والبلدات والقرى الآهلة بالسكان، ثم اللجوء إلى عقد هدن محلية، يُوضَع بموجبها المواطنون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت جوعًا تحت وابل القذائف ووسائل الدمار، وإما النزوح إلى مناطق أخرى . وبناء عليه،فإن مفهوم خفض التصعيد كان المراد منه منذ البداية أن يكون مُلزماً لقوى المعارضة فقط،وليس للنظام وحلفائه ،وما يؤكد ذلك أن الجانب الروسي،ومنذ لقائه الأول مع قادة الفصائل العسكرية وحتى الآن لم يعط وعداً مكتوباً أو موثقاً يلزمه أو يُلزم نظام الأسد بوقف إطلاق النار.
ليس ثمة ما يوجب الشعور بالإثم،أو الإحساس بفداحة الأخطاء لدى معظم العسكريين او السياسيين الذي واظبوا على الحضور والمشاركة في لقاءات أستانا،وليس ثمة ما يلزم هيئة التفاوض والائتلاف بالشعور بالمسؤولية حيال المآلات المأسوية لما حل بالغوطة الشرقية وسواها من المدن والبلدات السورية سوى البراعة التي يظهرها هؤلاء جميعاً حين يتحدثون بحماس وانفعال شديدين أمام وسائل الإعلام عن الصمت الدولي الذي يصل إلى حدّ التواطؤ،وعن عطالة مجلس الأمن،وغياب الدور الأمريكي الذي أتاح للروس الاستفراد بالملف السوري،وعن وحشية النظام وإيغاله باستخدام العنف وعن وعن ….،ولعل الحديث المكرور عن هذه الظواهر كفيل بإعفائهم من المسؤولية عن مآل مؤلم كان لهم دور كبير في إيجاده. وهم حين يسهبون بالحديث عن دور العامل الإقليمي والدولي في تعقيد القضية السورية يجهلون أو يتجاهلون أن صراع المصالح الإقليمية والدولية هي على سورية وليست من أجل القضية السورية،وكذلك يتجاهلون أن المضامين الجوهرية لثورة السوريين باتت غائبة عن مشهد الصراع القائم في سورية،بل الحاضر الرئيسي في الصراع هو المصالح القريبة والبعيدة للأطراف المتصارعة،مؤكدين – في الوقت ذاته – ومن خلال ولاءاتهم للأطراف النافذة في سورية،أنهم – ومنذ نشوء كياناتهم – إنما يمثلون مصالح الأطراف المتنازعة على الأرض السورية وليس العكس،في وقت كان يدرك فيه السوريون أن حيازة القرار الوطني وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية هو الحامل الجوهري لنجاح أي قيادة تدّعي تمثيل السوريين.
لعلّ الإمعان في توصيف مسار أستانا أو تقييمه لا ينبع من الإحساس بجلد الذات أو الندْب على النتائج الكارثية لأستانا،بقدر ما يرمي إلى ضرورة التشخيص الدقيق للحالة الراهنة، ومواجهة التحديات مهما بلغ شأنها وتجبّر منفذّوها،وذلك انطلاقاً من موقف التجمع الديمقراطي السوري الرافض لأي محاولة أو مسعى يهدف إلى تمويه حقوق السوريين أو القفز فوقها أو تجاوزها.
ولئن استطاعت حكومة بوتين أن تنجح في ترويض عدد من أمراء الحرب في سورية، وكذلك احتواء عدد من السياسيين الذي امتثلوا بالمطلق للإملاءات الإقليمية والدولية،فإننا – كقوى وطنية سورية – لا نرى في مخرجات أستانا،ولا في إجراءاتها الميدانية أو السياسية ما يلزمنا أبداً، أو يحول بيننا وبين استمرارنا وإصرارنا على التمسّك بما تضمنته المقررات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية وعلى رأسها (قرار جنيف1 والقرار الدولي 2254 )،مؤكدين في الوقت ذاته على أن البنود(12 – 13 – 14 -) من القرار (2254 ) والتي تتضمن الإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المدن والبلدات وإدخال المساعدات الإنسانية،هي بنود فوق التفاوض،وفقاً لما نص عليه القرار الدولي آنف الذكر.علماً أننا نتفهّم جيداً مصالح الدول الإقليمية وبخاصة الصديقة منها،إلّا أن حرصنا على مصالح الأصدقاء وتفهّمنا لحقوقهم في الدفاع عن هذه المصالح،لا يعني أبداً تجاهلنا لقضيتنا الجوهرية التي تتمثل بالمصلحة الوطنية السورية.
إننا – كقوى وأحزاب وتيارات – تعمل ضمن إطار (التجمع الديمقراطي السوري) نؤكد بقوة أن أي حل عادل للقضية السورية لا يمكن أن يتجاوز إرادة السوريين،كما لا يمكن لأي جهة دولية أو إقليمية أن تفرض على الشعب السوري أمراً واقعاً يجافي تطلعات السوريين،من خلال استغلال الخلل الواضح في موازين القوى.
ما من شك في أن الدعم الروسي والإيراني المطلق لنظام الأسد قد يطيل من عمر سلطات دمشق،ولكنه – بكل تأكيد – لن يكون الحلّ الأمثل لا للنظام ولا للشعب السوري،وما من شك أيضاً في أن حلفاء النظام قادرون في المنظور الراهن على تعطيل دور مجلس الأمن ومسار جنيف،إلّا أن هذا التعطيل مرتبط ارتباطاً مباشراً بصراع المصالح الدولية غير الثابتة،بل هي قابلة للتغيير باستمرار.
قد يتمكن الروس والإيرانيون من الحفاظ على بقاء نظام الأسد إلى أمد معلوم،ولكنهم – بكل تأكيد – لن يستطيعوا أن ينزعوا عنه مجمل الإدانات الجرمية التي باتت ملتصقة به جرّاء استخدامه للسلاح الكيمياوي في إبادة السوريين، والمجازر التي ارتكبها بحق آلاف الضحايا في السجون،إضافة إلى جرائم التهجير القسري،وذلك وفقاً لما أقرته ووثقته معظم الهيئات الدولية.
إن رفضنا وسعينا الدائم إلى مقاومة كافة المشاريع الرامية إلى تجاوز الحق الوطني للسوريين مقرون دائماً بدعوتنا ومناشدتنا لجميع القوى الوطنية الغيورة على الثورة،والتي مازالت تحتفظ بإرادة المقاومة ضد الاستبداد،إلى مزيد من التنسيق والعمل المشترك،وتجاوز الخلافات الموروثة،بغية الارتقاء إلى مستوى التحدي واستمرار المقاومة.

التجمع الديمقراطي السوري
نيسان 2018

مقالات ذات صلة

USA