• الخميس , 28 مارس 2024

الأسدية المهزومة وانتصار أو هزيمة الثورات

غسان المفلح

هزيمة الثورة لا تعني انتصاراً للأسدية المحلية أو الإقليمية أو الدولية. هزيمة الثورة لا تعني أيضاً أنّ المعارضة هزمت أو انتصرت، بداية لابد لنا من العودة، قليلاً وسريعاً، لتاريخ الثورات في العالم، الثورة هي لحظة انبثاق من حاضر موجع، هي نزول البشر إلى الشارع احتجاجاً، وطلباً للتغيير، تغيير حاضر يمتاز بقمع السلطة ونهبها للناس من جهة، وقلّة الكرامة والتمييز والفقر أحياناً.بعيداً عن كلام الآيديولوجيات وتنميطات اليوتوبيا الثورية وشعاراتها، يجب البحث في تفاصيل كل ثورة هزمت أو انتصرت على حدا، الثورة هي البشر الذين ضاقت بهم السبل في هذا الحاضر، حيث لا أفق لمستقبل ممكن في ظلّ وجود هذه الماكينة السلطوية الغاشمة، الثورة الفرنسية التي هزمت تحوّلت لاحقاً إلى دليل لبقية الشعوب، استمرّت هزيمتها عقود طويلة من الزمن، لكن هذه العقود لم تستطع تجاوز ما نتج عن قيام هذه الثورة من متغيرات، في تفاصيل الثورات هنالك قضية يجري تجاوزها، وإبقاء الحديث عنها عابراً، وهي قضية الجيش ودوره في هذه الثورات، الثورة الصينية والروسية وغيرها، حتى الثورات السلمية التي نجحت كان هنالك دور للجيش فيها، ربما تفاصيل أخرى كثيرة بحاجة أن نعود إليها بما لا يتّسع لها المجال هنا، منها مثلاً دور العامل الإقليمي والدولي في هذه الثورات، خاصة ثورات القرن العشرين وما بعده.

في نقاش قديم قبل عقود مع رفاق وأصدقاء، كان رأيي أنّ الجيش السوري لا يمكن أن يقف مع الثورة مهما كانت مثاليّة، لأنّ جيش بناه الأسد الأب كجيش طائفي، العقيدة فيه للأسدية الطائفيّة وليس للبعث أو لسوريا، تالياً سيقف هذا الجيش مع الأسد مهما كانت طبيعة الاحتجاجات ضده، هو عدو للشعب وموالٍ طائفي للأسد.الثورة السورية كشفت دور الجيش، إلى درجة لم يعد ينفع معها أي عملية تجميل، بات مؤسسة طائفية عارية، لم يعد مهماً الآن الحديث عن تكوين الجيش، المهم أنّ دوره في مواجهة الثورة كان دور القاتل والناهب والطائفي، عانت القوى الديمقراطية واليسارية من أمرين: الأول، لم تستطع اختراق المجتمع.

الثاني، لم تستطع اختراق الجيش أثناء عملها السرّي أو نصف العلني لدى بعضها بقي الجيش ووفقاً لتكوينه أسدياً طائفياً.دوائر الولاء منضدة بطريقة يصعب اختراقها، خاصة في الكتلة الصلدة للجيش، هذا لا علاقة له بشعارات الثورة وأهدافها لا علاقة له بسلميتها أو عسكرتها، لا علاقة له بقيادتها، سواء كانت حزب عمل شيوعي أو إخوان مسلمين، لا علاقة له سواء كان الحراك كردياً أو عربياً، سواء كان مدنياً أو طائفياً، الجيش بوصفه أداة قمع داخلية فقط، متمركز ومرتشٍ ومرهب ومرغب، حول شخصية الأسد بوصفه كقائد طائفي أولاً، فيما بعد تأتي مزاياه القيادية الأخرى، هكذا هو تعامل مع الطائفة، وهكذا هي بالمقابل تعاملت معه، عبر قناة الجيش وأجهزة الأمن.هل كان ممكناً اختراق هذا التأسيس بثورة سلمية أو مسلحة؟ هذا كلام سياسي وليس طائفي، كلام يتعامل مع الوقائع الرابضة على الأرض، هذا ما أكدته أيضاً حجم الانشقاقات التي حدثت في هذا الجيش بعيد انطلاق الثورة، حيث كشفت هذه الانشقافات عن البنية الداخلية للجيش، على الفاعل الأمني والقيادي فيه، من جيش مفترض أنّه بعثي عقائدياً إلى جيش عقائدي عقيدته الأسد الطائفي، لم ترفع شعارات البعث بوجه المتظاهرين أثناء رميهم بالرصاص الحي، بل كانت ترفع شعارات تخصّ الأسد والأسدية حصراً، ومتمحورة حول “الأسد أو نحرق البلد”، هل هذا شعار بعثي؟ الأسدية بوصفها حالة كثّفت الطائفة كلها.

باتت الأسدية تشكّل وعي الطائفة لذاتها عبرها بوصفها سيدة البلد عبر الأسد، هذه السيرورة تمّت ترهيباً وترغيباً، وليس عبر تمثيل مؤسسي للطائفة، لهذا يمكننا القول في هذا السياق الأسدية تمتلك السيادة أيضاً على طائفيتها، بالعودة لهذه الانشقاقات إنما تم رفع الغطاء نهائياً عن أية صفة لا طائفيّة يمكن أن تطلق على هذا الجيش (الميليشيا)، كما أنّه عندما لم يستطع لوحده قتل السوريين وثورتهم لجأ إلى محتلّين من كل حدب وصوب، وكان بالمقابل مشغولاً بنهب أرزاق الناس، وهذه العادة أسّسها في سوريا المعاصرة حافظ الأسد، منذ انتفاضة الثمانينيات من القرن الماضي، قبلها أيضاً عندما احتلّ لبنان، بدأ احتلاله بنهب بيوت الناس هناك، استقدم حزب الله وإيران وروسيا كشركاء، ساوم داعش وأمريكا وتركيا، عقد اتفاقيات متعددة مع المحتلين، من يريد احتلالنا عليه التنسيق معنا، كما صرّح أكثر من مسؤول أسدي بهذا المعنى.عن أي انتصار يتحدّثون؟ نستطيع القول ببساطة 35%، الأغنى من مساحة سوريا، خارج سيطرة الأسد والروس وإيران، والباقي يتشارك الأسد السيطرة فيه مع الروس وإيران.. ما هو الفارق بين سورية الأسد، عام 2011، قبل الثورة، حيث لا يشاركه السيطرة عليها أحد، وبينها الآن؟ هذا كله ليس مهماً، المهم هو عدم انتصار المعارضة، عدم تحقيق مطلب الناس في الحرية والكرامة، هذه هي انتصارات الأسدية منذ تأسيسها وحتّى الآن.

مقالات ذات صلة

USA